لم تكن الانتخابات الرئاسية الكولومبية التى جرت جولتها الثانية الأحد الماضى، وانتهت بفوز الرئيس خوان مانويل سانتوس بولاية ثانية لمدة أربع سنوات، مثل سابقتها من الانتخابات التى جرت فى فترات سابقة، إذ كان لهذه الانتخابات أهمية استثنائية، كونها كانت بمثابة استقتاء حول عملية السلام مع القوات المسلحة الثورية فى كولومبيا المعروفة باسم «فارك»، حيث كانت المنافسة بين سانتوس الذى كان من أبرز المطالبين بالسلام، وزولواجا الذى كان من أشد منتقديه، وعارض بقوة محادثات السلام التى يجريها سانتوس. وحصل سانتوس على 51% من أصوات الناخبين فى جولة الإعادة، بينما حصل منافسه أوسكار إيفان زولواجا على 45%، وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 48%، أما الجولة الأولى فشهدت تفوق زولواجا الذى حصل على 30% من أصوات الناخبين، مقابل 25% حصل عليها الرئيس سانتوس، ونظرا لعدم حصول أى منهما على نسبة الخمسين فى المائة لتحقيق الفوز من الجولة الأولى، خاض الاثنان جولة إعادة انتهت بفوز سانتوس. نتيجة الانتخابات أظهرت أن الشعب الكولومبى اختار مواصلة السلام مع المتمردين، وهو المبدأ الذى اختاره سانتوس، وكان المحور الرئيسى لحملته الانتخابية، فكان شعاره «إنهاء النزاع أو نزاع بلا نهاية»، وعلى الرغم من أن سانتوس كان وزير دفاع سابق فى عهد الرئيس الفارو أوريبى، وكبد حركة التمرد أكبر الهزائم، إلا أنه أكد أنه يتطلع لأن تحذو كولومبيا حذو إيرلندا الشمالية فى تعاملها مع الجيش الجمهورى الإيرلندى، وإسبانيا مع حركة إيتا، أما منافسه زولواجا وزير الاقتصاد السابق، فقد ركز فى حملته الانتخابية على مهاجمة سانتوس الذى اتهمه بالاستسلام للإرهابيين، وأشار خلال حملته الانتخابية إلى أنه سيلغى المحادثات، وسيشن حملات عسكرية تدعمها الولاياتالمتحدة تشبه حملات قادها الرئيس السابق الفارو أوريبى. وسيكون إنجاز السلام مع فارك المهمة الأولى للرئيس الكولومبى الذى بدأ مفاوضات مع حركة فارك منذ 19 شهرا، ويقول إنه دخل المرحلة النهائية فى المفاوضات بين حكومته والحركة المسلحة، التى تخوض أقدم نزاع فى أمريكا اللاتينية، فجرته انتفاضة فلاحية قبل نصف قرن، وقد فاقت حصيلة النزاع المستمر منذ 50 عاما 220 ألف قتيل وخمسة ملايين مهاجر، كما أعلن سانتوس أنه سيجرى حوارا آخر مع حركة التمرد الأخرى المعروفة باسم جيش التحرير الوطنى. وقد أظهرت حركة فارك رغبتها فى مواصلة عملية السلام، من خلال إعلانها هدنة فى عملياتها المسلحة أثناء الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، على غرار ما فعلته فى الدورة الأولى. وحظيت الانتخابات الرئاسية فى كولومبيا بمتابعة العديد من الصحف ووكالات الأنباء، والتى أكدت على أن فوز سانتوس يؤكد رغبة الكولومبيين فى مواصلة عملية السلام مع الحركات المتمردة، وفى هذا الإطار نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن «فيليب بوتيرو» الأستاذ فى جامعة الإنديز قوله إن الفوز الذى حققه سانتوس واضح، والفارق معتبر، ولكن النتيجة تدل على أن الذين صوتوا لسانتوس مقتنعين بضرورة مواصلة عملية السلام وليس بالحكومة، أما «خورخى ألبرتو ريتريو» مدير مركز الأبحاث المتخصصة فى النزاع فقال للوكالة الفرنسية إن عملية السلام خرجت معززة فى شكلها الحالى، وأصبحت أكثر قابلية للدوام، مضيفا أن فارك وجيش التحرير الوطنى خرجا معززين كمفاوضين. أما الصحف الكولومبية الكبرى، فسلطت الضوء على تلك الانتخابات التى تعد الحدث الأبرز فى الدولة، ومنها صحيفة (إل تييمبو) واسعة الانتشار فى البلاد، التى كتبت تحت عنوان «إعادة انتخاب سانتوس .. مفاتيح الفوز» أن عشرين يوما كانت كافية للرئيس المنتهية ولايته من أجل تجاوز الهزيمة، التى منى بها فى الدور الأول ضد مرشح حزب الوسط الديمقراطى، زولواجا، واعتبرت الصحيفة أن المعركة بين المرشحين للرئاسة كانت مكثفة إلى حد أنه لا يمكن اعتبار نتائج الانتخابات إلا بمثابة توكيل للرئيس سانتوس من أجل مواصلة مساعيه من أجل تحقيق السلام مع المعارضة المسلحة، كما رأت أيضا أن نتيجة الانتخابات بمثابة نداء موجه إلى المتمردين من أجل وقف أنشطتهم المسلحة، وهجماتهم ضد القوات المسلحة، والمدنيين والبنيات التحتية فى البلاد.