مثلما كانت الانتخابات المحلية فى فرنسا استفتاء على شعبية الرئيس فرانسوا أولاند والحزب الحاكم، فإن الانتخابات المحلية فى تركيا كانت بمثابة اختبار لشعبية رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، خاصة أن تلك الانتخابات تُعقد فى ظل قرار إغلاق موقعى التواصل الاجتماعى تويتر ويوتيوب، واتهامات الفساد التى نسبت إلى أردوغان. وإذا كانت الانتخابات الفرنسية قد أظهرت السخط الشعبى على أولاند وحكومته، مما دفع رئيس الوزراء الفرنسى لتقديم استقالة الحكومة، فإن الانتخابات التركية أظهرت مدى قوة أردوغان، وضعف وهشاشة المعارضة. فعلى الرغم من تحالف حزبى الشعب الجمهورى والحركة القومية مع الداعية الإسلامى كولن فى مواجهة أردوغان، فإنهم لم يتمكنوا من منافسة حزب أردوغان، الذى سجل رقما قياسيا فى نسبة فوزه فى الانتخابات المحلية الماضية، بعد أن وصلت نسبة حزبه إلى 45.56%، بعد أن كانت 39% عام 2009. وقد فاز الحزب ب50 محافظة منها أسطنبول وأنقرة و560 بلدة، بينما فاز حزب الشعب الجمهورى ب13 محافظة منها إزمير و160 بلدة، وحزب الحركة القومية ب 8 محافظات و105 بلدات، وحزب السلام والديمقراطية ب10 محافظات و65 بلدة. وبهذا الفوز الذى حققه حزب العدالة والتنمية، يكون أردوغان فاز بستة انتخابات وطنية متتالية، وقد جاءت كلمة أردوغان عقب ظهور النتائج الأولية بمثابة «استعراض للقوة» حيث توعد خصومه بأنه سيجعلهم يدفعون ثمن الانتقادات والاتهامات التى وجهوها إليه على مدار الأشهر الماضية، مشيرا إلى أنصار خصمه الداعية الإسلامى فتح الله كولن. وقد حظيت الانتخابات التركية باهتمام عالمى واسع، وأجمعت الصحف العالمية على أن نتيجة الانتخابات أثبتت قوة وشعبية أردوغان، كما أنها عززت من احتمالية ترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، فذكرت صحيفة «جارديان» البريطانية أن الفوز المهم الذى حققه حزب العدالة والتنمية سيشجع أردوغان ليترشح للانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها فى أغسطس المقبل، مشيرة إلى أنه كان من اللافت أن يدلى 92% من الناخبين الذين يزيد عددهم على 52 مليون ناخب بأصواتهم، وفى نفس السياق رأت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية أن أردوغان بات أقوى المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد النصر الذى حققه فى صناديق الاقتراع، فى مواجهة كل المزاعم بشأنه، وقالت صحيفة « الباييس» الإسبانية إن أردوغان أضفى شرعية- من خلال نتائج الانتخابات المحلية- على موقفه من مزاعم الفساد، وحجب موقعى تويتر ويوتيوب فى الأونة الأخيرة، أما الصحيفة الإيطالية «كوريره ديلاسيرا» فذكرت أن أردوغان اكتسح صناديق الاقتراع، وتركيا لم تدر ظهرها له، مضيفة أن ما تردد حول الفساد لم يغرق رئيس الوزراء التركى، الذى أعلن فوزه فى الانتخابات البلدية، ونقلت عنه القول «الخونة سيدفعون الثمن». وفى نفس الإطار كتبت صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية أن أردوغان نجح فى المهمة المستحيلة، مضيفة أن الأتراك لم يبدو اهتماما يذكر بما تردد عن فضائح الفساد، ولا بالجدل حول القمع فى اسطنبول العام الماضى، كما اعتبرت وكالة « إيرينا» الإيرانية الرسمية أن التسجيلات الصوتية المنشورة ضد مسئولين فى الحكومة التركية، ومزاعم الفساد والعمليات الموجهة ضد الجيش، لم تقلل من شعبية أردوغان، وذكرت صحيفة «باديشن نويستن ناخجيشتن» الألمانية أن حزب العدالة والتنمية تمكن بالرغم من حملة الاحتجاجات التى انطلقت منذ السنة الماضية على حكومة أردوغان واتهامات الفساد الموجهة لها، من الحفاظ على مكانته كأقوى حزب فى الانتخابات البلدية، مشيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية الجيدة والشعبية التى يتمتع بها أردوغان كانت وراء نجاح حزبه فى الانتخابات.