فى الوقت الذى تتوالى فيه جلسات إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى و6 من كبار مساعديه، بتهمة قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير، فى هذا التوقيت نفسه، صدر كتاب جديد للزميل الصحفى النابه أحمد الجمال يحمل عنوان «أسرار فى حياة مبارك»، يقدم محاولة جادة لإزاحة الستار عن الشخصية الحقيقية للرئيس الأسبق، عبر توثيق لما يمكن اعتباره شهادات لسبعة جنرالات طيارين تعاملوا معه عن قرب لعدة سنوات بالإضافة إلى أحد الطهاة السابقين بقصر الرئاسة. وقد اعتمد المؤلف فى هذا التوثيق على سبعة جنرالات بتخصصات مختلفة حسب مواقعهم الوظيفية.. واختم هذه الشهادة بالشخصية الأهم فى حياة الرئيس وليس هو فحسب. وإنما فى حياة أسرته كاملة.. إنه طباخ الرئيس الذى خلَّدته السينما المصرية فى فيلم يحمل اسمه. ومن اللافت للانتباه أن جاءت كل هذه الشهادات متباينة فى معطياتها حول الرئيس الأسبق لدرجة تصل إلى حد التناقض أحيانا بما يوحى بأن هذه الشهادات لا تخرج عن حدود الانطباعية وفق موقف كل شاهد على حدة من خلال علاقته بمبارك. ??? وتأتى الشهادة الأولى من اللواء طيار متقاعد محمد أبو بكر حيث يقول عن الرئيس الأسبق إنه كان ذكيا بلا عواطف ولم يكن خدوما وأجبرنى على الإفطار فى رمضان وربما يكون ذلك حقيقيا ولكن الترصد الواضح من خلال شهادته التى جاءت فى سياق هجومى يومئ للقارئ بأنها شهادة الجانب السلبى الأوحد حتى صفة الذكاء والتى أشك فيها جاءت مقترنه بفقدانه العواطف والمشاعر. وحيث نجد أن المنطق يؤكد أنه لا يوجد من يتفرد بالمزايا دون النقائص والعكس أيضا صحيح.. وتوالت وقائع الشهادة لتؤكد انطباعى الأول عنها حيث أبرز اللواء أبوبكر صفة الغلظة وفظاظة القلب حينما طلب من الرئيس السابق تكريم بعض شهداء الطيران فى الثغرة وكان وقتذاك قائد للقوات الجوية فلم يهتم وتعلل بأنهم لم تثبت شهادتهم وفى عداد المفقودين. وعلى نفس الوتيرة تعددت الحكايات وتنوعت بما يعضد ما ذكره من صفات بعضها سلبى وقليلها ايجابى والبقية الغالبة وقائع عادية يمكن أن تقع من إنسان غير ذى عاهة نفسية كما صورت لنا فقرات من هذه الشهادة.. خاصة أن اللواء أبو بكر كان قائد طائرة الرئيس الأسبق وقد غلبت على شهادته أحداث جرت وقائعها خارج أرض الوطن،حيث أمضيا وقتا طويلا خلال رحلات مبارك الخارجية.. ومن هنا كانت شهادة اللواء أبو بكر أكثر فصول الكتاب طولا وتنوعا. أما الشهادة الثانية فهمى شهادة اللواء طيار مقاتل أحمد المنصورى والتى جاءت متناقضة مع شهادة زميله اللواء أبو بكر حيث ذكر المنصورى أن مبارك أصبح رئيسا بالحظ وليس الكفاءة.. ومن أهم صفاته وأبرزها الغباء وبطء التفكير والشك المريب والعناد.. وأضاف عليها صفة العقوق حيث يذكر اللواء المنصورى أن الحاج السيد مبارك ذهب يوما لزيارة ابنه حسنى فى الكلية الجوية التى كان رئيس أركانها حينذاك. وحين أخبروه بذلك قال الابن العاق - وفق رواية الشهادة - «قولوا له مش موجود» ولكن اللواء المنصورى وثَّق الواقعة بواقعة أخرى حين قام اللواء مدكور أبو العز قائد كلية الطيران بتوبيخ حسنى مبارك على تصرفه غير اللائق حيال والده.. وقد تميزت شهادة اللواء المنصورى بوقائع عسكرية أراد خلالها أن يؤكد كل الصفات السلبية لدى مبارك والتى تضمنتها شهادته كما تميزت بملمح ضاحك خاصة حين اختتمها بمفارقة طريفة تؤكد أن حسنى مبارك كان محظوظا، حيث ترقى سريعا دون سند من نباهة أو ذكاء حتى أصبح قائدا للقوات الجوية ثم نائبا للرئيس ثم رئيسا للجمهورية رغم أنه وفق ما أكده اللواء المنصورى أن ترتيب مبارك فى كلية الطيران كان الأخير.. ومن أطرف ماورد فى شهادة اللواء المنصورى أن مبارك كان محظوظا حتى فى محاكمته حيث كان المتهم الوحيد الذى تقله طائرة من محبسه إلى المحكمة كما كان يذهب إليها مستلقيا على ظهره بسريره الطبى. ??? ونرى شهادة اللواء طيار حسين ثابت التى يبدأها بواقعة تثبت ضيق الأفق عند الرئيس المخلوع حيث شطب اسم اللواء ثابت من بعثة فرنسا لولا تدخل قائد الدفاع الجوى كما حرمه من نجمة سيناء رغم إصابته لثلاث طائرات إسرائيلية وهو رقم قياسى بالمقاييس العسكرية لطيار واحد.. وقد يصاب القارئ بالدهشة التى أصابتنى حين قرأت شهادة اللواء حسين ثابت إذا ما علم أن سر كل هذا الاضطهاد والكراهية كان لسب واحد وهو ظن الرئيس السابق أن اللواء حسين ثابت ذاصلة قرابة بزوجته سوزان ثابت.. وهنا نجد سؤالا يفرض نفسه: هل يستحق هذا الأمر كل هذا التعنت؟! والذى وصفه اللواء حسين ثابت بالعداء المستحكم... وقد اقتصرت شهادة اللواء حسين ثابت على وقائع درامية هى أشبه بمشاهد القلق والتوتر التى تصل إلى نقطة الذروة فى العمل الدرامى حيث جاء منها هذا الحوار حين قال له مبارك.. «انت متعرفش أنا مين... أنا مبارك. فرد عليه قائلا وأنا الملازم حسين ثابت وتقدر تقول كلامك بالذوق والأدب وكان هذا الحوار بداية للعداء السافر بين الاثنين وهذه الواقعة كما فهمت من سياق الشهادة عليها شهود ومنهم أحياء يرزقون وتطرقت الشهادة إلى حوار بين اللواء ثابت وسوزان ثابت والذى انتهى بأن أفهم اللواء ثابت أن سوزان ثابت هى حفيدة «الخولى» الخاص بجده.. ولم يكن هذا هو الحوار الجرىء للواء حسين ثابت بل حدث ما هو أجرأ حين التقاه مبارك وكان رئيسا للجمهورية وقال له: إيه ده يا حسين يا ثابت انت بقيت عقيد فكان رد العقيد حسين ثابت: طيب سيادتك بقيت رئيس جمهورية وأنا الذى يخلفك إن شاء الله.. كما تضمنه الكتاب حرفيا. وتأتى أكثر الشهادات تركيزا وهى الأشبه بالعناوين الصحفية ولكنها تقدم المضمون كاملا دون نقصان وبلا ثرثرة لا طائل من ورائها ويبدو أن صاحبها وهو اللواء طيار ساجى لاشين كبير ياوران رئيس الجمهورية الأسبق رجل ينسق كلامه تنسيقا يتيح له التعبير الجيد فى أقل الكلمات، وتضمنت شهادته نقاطا منطقية لا إسراف فيها ولا مبالغة ومنها.. مبارك تهاون فى حساب اللصوص وإيقاف استغلالهم لمناصبهم.. ليس كل من عاصره مبارك فاسدا وليس كل من لم يعاصر شريفا.. ثورة يناير رائعة ولم أتخيل نهاية مبارك بهذه الطريقة.. بعض فلول نظام مبارك أفضل من فلول السجون والجحور.. مبارك كان كثير الشك ويجب استيفاء المعلومات وتأكيدها من أكثر من مصدر.. مبارك كان محبا للضباط ولكنه كان «ما سك ايده» فى الفلوس والمكافآت. ??? وكما كانت شهادة اللواء ساجى لاشين مقتضبة كانت تماثلها شهادة اللواء طيار أحمد شوقى.. ولكنها قد تتناقض كثيرا مع كل ما سبق من شهادات حيث يقول مبارك كان ساديا مع الطيارين ويشرب الخمور فى المناسبات.. كان بخيلا وحين أخذت بدل سفر قال لى «بيضالك فى القفص». حكاية خناقة علاء وجمال مبارك فى فندق الشانزلزيه بسبب زجاجة مياه غازية.. الفريق مدكور أبو العز يوبخ مبارك بعد واقعة استبعاد الطيارين الناجحين.. مبارك لم يكن متدينا وكان يصلى وفق الضرورة الرسمية. وقد ركزت شهادة اللواء طيار فكرى الجندى على معلومات عسكرية حول تقنية الطيران وتنفيذ المخطط لها ولأننى لست متخصصا فى هذا أو ذاك فقد آثرت أن أكتفى بذكر ملمح خاص فى شخصية مبارك تضمنته الشهادة وهو أنه يحب النفاق لدرجة العشق حتى إن الضباط كانوا ينهزمون أمامه فى الإسكواش لكسب وده رغم أنه لم يكن ماهرا للدرجة التى اشتهر بها نفاقا ورياء وإفكا. فى شهادته يذكر اللواء يحيى الجزار كيف كان مبارك يتلذذ بصراع الديوك والوقيعة بين القادة العسكريين كما كانت غيرته شديدة حيال أى متفوق من زملائه وتلاميذه فى كلية الطيران حتى أن الرئيس المخلوع فصل ضابطا اشترى سيارة مصفحة المانية تشبه سيارته.. كما اتخذ قرارات خطيرة فى جلسات النميمة مع شلة الاسكواش.. وأضاف صفات مكررة فى شهادات سابقة كالغيرة البخل والبطء فى التصرف وتدمير الكفاءات. ??? أما خاتمة الشهادات فهى شهادة طباخ الرئيس الشيف خالد عواد وبحكم عمله فإن شهادته لم تخرج عن نطاق آداب المائدة ومحتوياتها وكلها تتدرج تحت بروتوكول الموائد. أما الحكايات التى واكبت عمل الشيف عواد فى مطبخ الرئاسة فإنها لا تعدو أن تكون طرائف ومنها ما يتجاوز ذلك إلى استعلاء حسنى مبارك حيال معظم العاملين معه والأثر السلبى فى نفوسهم مما دفع بأصحاب هذه الشهادات لأن يصبوا جام انتقامهم جراء أفعاله. وقد كانت واضحة جلية مظاهر التشفى والرغبة فى الشماتة.. ولم تستطع محاولات البعض إخفاء هذه المشاعر رغم الادعاء بأنه فى محنة تستوجب التعاطف والشفقة. ورغم أن الكتاب وما وردت فيه من معلومات قد تسرب معظمها عبر أسوار القصور الرئاسية فإن الزميل أحمد الجمال كان له السبق فى اتيانها موثقة فى كتابه للتاريخ وللوطن. فضلا عن توثيقها بشهادة هذه القامات العسكرية التى لازم كل منها حسنى مبارك لفترة من حياته التى تضمنت أسرارا أضفت قيمة لهذا الكتاب لتكون نافذة تطل من خلالها الأجيال على حقبة من تاريخ الوطن سوف تظل تثير حولها كثيرا من الخلاف والاختلاف.