الطالب يتطاول على أستاذه والصغير لا يوقر الشيخ الكبير والمرأة تعارك الرجال وتنسى خصوصيتها.. والصوت العالى والتبجح صار أسلوبا للتعامل اليومى.. والكبير يفعل سلوك المراهقين والنفاق والكذب و«الفهلوة» نستيقظ ونمسى عليهم.. وأصبحنا نتباهى بألفاظ وعبارات تخدش الحياء وتنتشر على الفضائيات.. ونأخذ من الغرب أسوأ ما فيه ونسوقه فى حياتنا بشكل أعمى يتنافى مع عقائدنا وتقاليدنا المتجزرة فى فطرتنا ونفوسنا. فهل هذه مقدمات ليحيا مجتمعنا ويستقيم ويستقر ثم يتقدم وينتج ولكن إذا تمادى فى تلك السلوكيات والأخلاق الذميمة فلن يفيق من كبوته وتعثره ولن ينتبه لما يحاك له فى الخفاء لتدميره وتخلفه.. إذًا لابد من العودة إلى معاملة الناس بالخُلق الحَسن المتسق مع الشرع الحكيم.. فالأخلاق الجانب العملى للعبادات.. والمجتمع لا يهتم بعلاقة الإنسان بربه بقدر أخلاقه وتعاملاته مع الآخرين. وليحيا المجتمع فى أمان وترابط فعليه بالحياء.. فالذى يجهر بالمعاصى لا يستحى من الله ولا من الناس وقال ابن مسعود رضى الله عنه: «من لا يستحى من الناس لا يستحى من الله»، وقال (( صلى الله عليه وسلم )): «إن الله حيى يحب الحياء وستير يحب الستر».. والحياء دلالة كبرى على ما فى النفس من خير وعنوان الإنسان الكريم وصاحب المروءة فكما قال رسولنا الخاتم (( صلى الله عليه وسلم )): «الحياء لا يأتى إلا بخير».. والعبد الذى يتلاعب بالألفاظ ويبعد عن قول الحق فليس من الحياء بل ضعف إيمان «والله لا يستحى من الحق».. فيستحيل إقامة علاقة وطيدة بين الناس يرتقى بها المجتمع إلا بالمصارحة والصدق.. والحياء يمنع صاحبه من فعل القبيح ويردعه عن أى شىء يغضب الله.. ووصل بالعلماء إلى جعل الحياء حكما على أفعال وأقوال العبد.. ويحدد رسول الله عدة شروط وضوابط لتحقيق الحياء فيقول: «استحيوا من الله عز وجل حق الحياء.. فقيل يا رسول الله فكيف نستحى من الله عز وجل حق الحياء؟ قال من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلى فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء»، هنا وضع رسولنا الحبيب أيدينا على القواعد الأساسية لبناء الحياء على أسس صحيحة من الإتقاء من الأفكار المغلوطة والمنحرفة ومن اجتناب الاختلاس والرشاوى والابتذاذ والإتاوات ومن عدم الانكفاء على الملذات والاهتمام فقط بقشور الحياة من مسكن وملبس وإغفال المعانى الحقيقية والمقاصد العليا من الخلق كالعدل والمساواة والحرية تحت مظلة عبادة الرحمن الرحيم والذى ستقف بين يديه فى يوم لا مفر منه يحاسبنا فيه على كل لفظ وفعل ومن ثم يكون الجزاء إما بالفوز العظيم وهو الجنة أو العذاب الشديد وهو النار.. وعلى نفس السياق سئل أحد الصالحين «دلنى على شىء يعصمنى أن أعود إليها أبدا. فقال له: إذا أردت أن تعصى الله فلا تعصيه فى أرضه ولا تأكل رزقه. وفى مكان لا يراك»، والمجاهرة بالجرائم والمعاصى شر منيت به الفضيلة وانتهكت به العفة لأن المعاصى داء سريع الانتقال.. ونشره على النفس وعلى الناس أمر عظيم وجلل خطير على حياة المجتمع وأمنه.. والحياء آثاره عظيمة على المجتمع وتتجلى فى المعاملة الصادقة والشفّافة من خلال البيع والشراء والخُلُق الكريم بين الكبير والصغير والطالب والمعلم.. فالحياء من خصائص العقلاء فالحيوانات لا تعرفه والأطفال تجهله وكلما اكتمل عقل الإنسان تم حياؤه وصح.. وقال الحكماء من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه. ومن الأخطاء الشائعة أن الخجل قد يقرنه البعض مع الحياء ولكن فى الواقع الخجل اتجاه معاكس.. فالعلماء يعرفونه شعور بالنقص داخل الإنسان يكسبه إحساس بأنه أضعف من الآخرين ولا يستطيع مواجهتهم.. أما الحياء شعور بالثقة وكرامة ورفعة فى النفس والعبد الحيى يأبى أن تأتى نفسه بالدنايا والخجول إذا سنحت له الفرصة أن يفعل ذلك دون أن يراه أحد لفعل.. وأصل الخجل فى اللغة الكسل وقلة الحركة فى طلب الرزق. ولا ننسى أيضا ضرورة التزام المرأة التى تمثل حجر الزاوية للمجتمع بالحياء فى وقت أضاعت كثير من النساء تاجها من العفة والحياء.. فمن المعلوم أن المرأة كلما زادت حياء زادت جمالا وإجلالا وتزداد رفعة لدى الرجال الأسوياء وبفقدانها إياه أصبحت فريسة لأهل الهوى. ** والنصيحة للجميع أن نكتسب الحياء من البيئة الطيبة وملازمة مجالس العلماء والصالحين مع مجاهدة النفس.. ويسأل نفسه كيف يستحى من صاحب الجاه والمال ولا يستحى من الجبار العظيم!