سمعت ما قاله رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم عن العباد القانتين الصابرين على لسان المولى عز وجل «أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» أى أنه لو تجاوز خيالك الآفاق لن يصل إلى واقع النعيم بالجنة.. فما بالك ما أعده الجبار المنتقم للكافر والمنافق والفاجر من عذاب لا يقارن بعذاب ونار الأرض حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نار ابن آدم التى يوقدون منها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم»، وعلى الجانب الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «أوقد على النار ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة». حتى إن بعض الصحابة وصل بهم الحال عند سماعهم أهوال يوم القيامة وعذاب النار كان يشم من فيهم رائحة الشواء من مجرد تخيلهم لمشاهد العذاب. ثم تعالى معى نتفكر سويا ونعترف بأن الفناء للكون قادم لا محال فيه والموت وسيلته.. ففى انفجار الشمس موتها وتلاشيها وإذا سجرت البحار واشتعلت فهى بداية لتبخرها واختفائها وهذا باعتراف علماء الغرب.. أما الإنسان يموت لتنتهى حياته الانتقالية المؤقتة بعكس موت الكون الأبدى الذى أعد وسخر تكريما للإنسان ليحيا وينعم فيه.. وبعد الموت يسود الصمت الرهيب فليس هناك سوى موتى وقبور فقد انتهى الزمان والمكان.. فالموت كتب لجميع الخلائق حتى للملائكة ليعود المشهد لبدايته كما قال تعالى: (وكان عرشه على الماء) فيبقى الواحد القهار الملك الحقيقى الذى يُحيَى ويُميت ويخلق ويفنى. ثم يأتى أمر الله فتخرج صيحة مدوية تشق الصمت فينبعث من فى القبور حفاة عراة عليهم غبار قبورهم فى حالة فزع وذهول فيتأكدون أن من حدوث الواقعة فى يوم مقداره خمسون ألف سنة.. ونرى العباد يقفون فى ساحة العرض على الله يسأل بعضهم عن إخوان لهم فيقول الرحمن الرحيم أدخلتهم الجنة سرا لأنهم عبدونى سرًا.. ونرى فى المشهد الأفواه تتسع ولا تسكت عن الدعاء لمن خشع له كل شىء يستجيرون من نور الشمس والانتظار الطويل لسنوات.. حتى قال داود عليه السلام: «دعونى أبكى قبل يوم البكاء.. أبكى نفسى قبل ألا ينفع البكاء». وأخيرا يأمر المولى بالحساب بعد شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيدخل أهل الجنة جنات الخُلد ويلقى أهل النار فى العذاب المقيم وفورا يتساقط لحم أهل النار عن عظامهم ثم تنهش العظام ولا تبقى ولا تذر ويتمنون الموت ولا يجدونه، وإذا نظرت لهؤلاء العصاة المجرمين ترى وجوههم اسودت وذهبت أبصارهم وسكتت ألسنتهم وغلت أيديهم ويأكلون من شجرة الزقوم وطعام الغسلين الذى يشوى الأمعاء من شرابهم كالمهل يغلى فى البطون أو شراب الصديد.. وقال تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)..فنرى أن حديثهم هو الصراخ والعويل والاستغاثة والندم والحسرة.. حتى أنهم يقولون كما قال تعالى:(يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ).. ولذلك صدق العفو والغفور: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ). إذا ما نشاهده فى الدنيا من عذاب أو ما نتمتع فيها من نعم ورزق إلا قطرة ضئيلة من عالم الآخرة ووصف ذلك ابن عباس رضى الله عنهما: «ليس فى الدنيا مما فى الآخرة إلا الأسماء». فما زالت التوبة متاحة لنا ولدينا بحبوبة من الوقت للمغفرة فلا نقنط من رحمة الله.. فيجب علينا أن نسارع لنبذ ما يغضب الله وترك الأموال الحرام والصد عن المعاصى اليومية من كذب وتدليس لشراء النار وبيع الجنة بأبخس الأثمان.. فلننظر إلى سلوكياتنا اليومية ولنحاسب أنفسنا قبل محاسبتها فهى أمارة بالسوء حتى لا نتمادى فى الظلم والكذب.. ولنعمل عقلنا قليلا فهل الدنيا مهما بلغت أعمارنا فيها فهى لحظات فى عمر الآخرة.. فلننظر إلى أبى بكر رضى الله عنه حينما أودع ماله كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «ما أبقيت لنفسك يا أبا بكر» فقال: الله ورسوله.. فإذًا الاستثمار مع الله هو الفوز العظيم.. فلابد أن يخضع الإنسان إلى ربه وينزل من كبريائه فى ذك وخشوع وينكسر بين يديه ويفتقر إليه فى طاعة وليس هذا جبرًا بل عشقًا وإيمانًا لخالقه الذى سخّر له كل شىء وخلقه من عدم وكرمه على سائر مخلوقاته وليعلم أن ما بعد الموت للمؤمن أهون وأفضل حياة وأكثر سعادة أما للكافر والعاصى أشد هولا وفزعا وضيقا.