جثث تتدلى من فروع الأشجار وتتناثر فى الشوارع وبين أنقاض المنازل والمبانى التى سويت بالأرض .. رجال ونساء وأطفال يصطفون على طول الطرق وهم يغطون أنوفهم تجنبا للروائح الكريهة المنبعثة من الجثث.. آخرون يهاجمون المتاجر ومحطات البنزين والمستشفيات بحثا عن الغذاء والوقود والمياه.. مشاهد مفجعة رصدتها عدسات مراسلى وكالات الأنباء والصحف العالمية لنقل الصورة المؤلمة عن الكارثة التى ضربت الفلبين الأسبوع الماضى والتى شبهها كثيرون بكارثة تسونامى الذى ضرب المحيط الهندى أواخر عام 2004 وأودى بحياة 220 ألف شخص. وتسببت كارثة الفلبين الأخيرة فى مقتل ما قد يصل إلى عشرة آلاف شخص وتشريد مئات الآلاف وتضرر الملايين وتدمير العديد من القرى فى 36 إقليما بل إن مدينة رئيسية دمرت بأكملها، وذلك جراء الإعصار هايان الذى ضرب فجر الجمعة 8 نوفمبر الجارى الساحل الشرقى لوسط الفلبين. وقال عنه جيف ماسترز الخبير الأمريكى فى الأرصاد الجوية إنه أقوى إعصار يضرب الأرض فى التاريخ حيث صنف فى الدرجة 5 وهى الأعلى وبلغت قوته 3,5 أضعاف الإعصار «كاترينا» الذى ضرب الولاياتالمتحدة عام 2005 وأسفر عن مصرع 1833 شخصا وخسائر فادحة بلغت قيمتها 108 مليارات دولار، متجاوزا هايان بذلك الإعصار كاميل صاحب الرقم القياسى السابق والذى ضرب ولاية ميسيسيبى الأمريكية فى 1969. وعلى الرغم من أن الفلبين معتادة على مرور العواصف، حيث تشهد سنويا نحو عشرين عاصفة أو إعصارا كبيرا بين شهرى يونيو وأكتوبر، إلا أن هذه هى المرة الأولى التى تشهد فيها إعصارا يأخذ شكل التسونامى حيث إن إعصار هايان الاستوائى الذى اعتبر من أقوى الأعاصير فى التاريخ رافقته رياح تجاوزت سرعتها 300 كلم فى الساعة، مما تسبب فى أمواج عاتية بلغ ارتفاعها عدة أمتار ونجمت معظم الوفيات فيما يبدو عن ارتفاع منسوب مياه البحر حيث سوت المنازل بالأرض وغرق الآلاف فى إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية التى تضرب الفلبين. وقالت لينيت ليم، المتحدثة باسم منظمة «أنقذوا الأطفال»، إنه حتى المدارس ومراكز الألعاب الرياضية وغيرها من الأماكن التى كانت الحكومة قد خصصتها كمراكز إيواء للنازحين فشلت فى الصمود أمام الرياح القوية، حيث تصدعت الأسطح وتحطمت النوافذ وفى بعض الأماكن انهارت الأسقف، حتى أن إحدى الكنائس المخصصة للإيواء امتلأت بجثث الغرقى بداخلها. ونقلت وكالة «الاسوشييتد برس» عن بعض السكان قولهم إن مياه الإعصار كانت عالية والكثير كانوا يطفون ويرفعون أيديهم طلبا للمساعدة بالإضافة إلى تدمير المبانى واصفين صوت رياح الإعصار بصوت طائرات 747 وكأنها تحلق فوق منازلهم. ووصفت واحدة من الناجين فى مدينة تاكلوبان الساحلية وتدعى ماريتس تاياج المأساة لصحيفة «يو إس إيه توداى» الأمريكية قائلة: إنه «من أصعب الأمور أن ترى أمك طافية فى مياه الفيضان ولا تستطيع فعل أى شئ لإنقاذها». وتقول إنها ظلت محاصرة فى غرفتها بعدما دفعت الرياح القوية مياه البحر إلى منازلهم حتى وصلت المياه إلى أنفها وكادت أن تفقد القدرة على التنفس لولا أنها حاولت إنقاذ نفسها بالصعود مع بقية أفراد الأسرة إلى سطح المنزل إلا أن والدتها وأخاها لم يستطيعا النجاة وغرقا. وقال مسئولون إن الدمار الذى أصاب مناطق واسعة فى الفلبين ليس له نظير فى تاريخ البلاد الحديث. وقال وزير الداخلية الفلبينى مار روكساس: «يمكنكم أن تروا حجم الدمار من طائرة هليكوبتر. لا توجد مبانى قائمة لمسافة كيلومتر من الشاطئ، إنه مثل أمواج المد العاتية. لا أعرف كيف أصف ما رأيت. إنه رهيب». وعندما سئل وزير الدفاع فولتير جازمين عما إذا كانت الحكومة لم تستعد جيدا للإعصار، قال: «كيف لك أن تهزم إعصارا؟ إنه الأقوى على الأرض لقد فعلنا كل ما فى وسعنا.. لدينا استعدادات كبيرة. إنه درس بالنسبة لنا». وبعد مرور ثلاثة أيام على وقوع الإعصار لم يكن عمال الإغاثة قد تمكنوا من الوصول إلى المناطق الأكثر تضررا بالإعصار، حيث أدى الحطام والركام الناجم عن الإعصار والطرق المدمرة، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات، إلى إعاقة وصول الإغاثة، فى الوقت الذى كانت فيه الكثير من المناطق تفتقر إلى المياه والكهرباء والمواد الغذائية. وواجه المسئولون صعوبة فى توزيع الإغاثة حيث انتشرت أعمال السلب والنهب وكان من الصعب فرض النظام والقانون. وقال ريتشارد جوردون رئيس الصليب الأحمر الفلبينى إن «الغوغاء» هاجموا الشاحنات المحملة بالطعام والخيام والمياه على جسر تاناوان فى جزيرة لييتى. وكانت جزيرتا لييتى وسامار وسط الأرخبيل الفليبينى هما الأكثر تضررا لوقوعهما مباشرة ضمن مسار هايان، ووفقا للتقديرات الحكومية سقط فى جزيرة لييتى وحدها، والتى تضم 1,7 مليون نسمة، نحو 10آلاف ضحية ودمرت بين 70 و80% من المنشآت والبنى الواقعة على مسار الإعصار، وقال روبرت وينجفيلد مراسل «بى بى سى» إن مدينة تاكلوبان عاصمة إقليم لييتى والتى يسكنها 220 ألف نسمة شهدت دمارا تاما. ورغم أن الرئيس الفلبينى «بنينو أكينو» استبعد فى مقابلة مع «سى إن إن» أن يصل عدد الضحايا إلى عشرة آلاف، قائلًا إنه أقرب إلى ما بين 2000 و2500، إلا أن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية رأت أن الحجم الحقيقى للضرر الذى أحدثه هايان لن يتضح قبل أسابيع وأن الأمر يتطلب جهود إغاثة هائلة.