تعد مدينة مالمو ثالث أكبر المدن السويدية، والتى اشتهرت لعقود بهدوئها وبأنها مدينة التسامح وتعدد الثقافات وملاذ الأقليات المضطهدة حول العالم، ولكن بمرور السنوات تغيرت ديموجرافية هذه المدينة وفقدت الكثير من هدوئها وكثرت بها الاحتجاجات والتصدامات وانتشرت مظاهر الاضطهاد والتمييز بين الطوائف العرقية والدينية المختلفة. يبلغ عدد سكان مالمو ما يزيد على 315 ألف نسمة، ثلثهم جاءوا من خارج السويد، وأغلبهم من العراق والبوسنة ولبنان وتركيا وايران وأفغانستان وغيرهم، حتى إن إحدى الإحصائيات أكدت وجود 171 جنسية مختلفة داخل مالمو عام 2007، فيما يبلغ تعداد الجالية اليهودية نحو 2000 شخص أكثر من ربعهم من أعضاء المعبد اليهودى هناك، وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة سجلت نحو 102 شكوى من وقوع أعمال معادية للسامية، وشهد عام 2012 تسجيل ما يقارب 70 شكوى فى مقابل 31 فقط بمدينة ستوكهولم الأكبر منها بثلاث مرات من حيث المساحة والسكان. وخلال الفترة الماضية، وكنتيجة لممارساتهم العنصرية ضد الأقليات الأخرى فى المدينة، شهدت مالمو هجمات تستهدف الجالية اليهودية حتى إن البعض أطلق عليها مدينة معاداة السامية، مع العلم أنها كانت أولى المدن التى فر إليها اليهود أثناء حقبة ألمانيا النازية، إلا أن الخبراء يرون أنه مع تتابع موجات الهجرة المتعددة تغيرت المدينة ديموجرافيا بشكل كبير خلال العقود الأخيرة الماضية، مما أدى إلى تأجج التوترات بين الطوائف المختلفة وحدوث الجرائم العنصرية. وكالعادة..يعتدى اليهود ثم يشتكون، وقد نظم عدد من أفراد الجالية اليهودية بمالمو وقفة احتجاجية أمام مبنى بلدية المدينة للتنديد بما وصفوه بالمضايقات والاعتداءات التى يتعرضون لها فى ظل تخاذل أفراد الشرطة من وجهة نظرهم، وذلك رغم أن بلدية المدينة خصصت أعدادا إضافية من قوات الشرطة لتأمين أفراد الجالية اليهودية وأماكن إقامتهم وتواجدهم، كما قامت بتغيير نوافذ المعبد اليهودى بالمدينة بأخرى أكثر أمانا وزودته بالمزيد من كاميرات المراقبة وأشياء أخرى من هذا القبيل. وفى ظل إدراكهم لألاعيب اليهود، أكد بعض الخبراء أن حل الأزمة لا يكمن فى زيادة قوات الأمن ولا فى وسائل وعوامل الأمان، لأن المشكلة تكمن فى أفراد الجالية اليهودية أنفسهم بسبب اعتيادهم على الخروج عن المألوف وإثارة غضب الجاليات الدينية الأخرى وفى مقدمتها الجالية المسلمة، حتى وصل الأمر إلى قيام يهود الحزب اليمينى المتطرف بنشر ملصقات بشوارع المدينة تسيىء لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وإلى السيدة عائشة رضى الله عنها بحجة حرية التعبير، وهو ما استنكرته الجمعية الإسلامية السويدية مطالبة المسئولين عن ذلك بالاعتذار الرسمى وشطب ذلك الحزب ولكن لم يحدث أى من ذلك. وناشد ايلمار ريبالو الرئيس السابق لبلدية مالمو الجالية اليهودية التوقف عن تصرفاتها التى من شأنها إثارة مشاعر الغضب لدى الآخرين، وقال ريبالو: «أود من الجالية اليهودية أن تنأى بنفسها عن الإساءات التى ترتكبها إسرائيل ضد السكان المدنيين العزل فى غزة»، كما شدد على ضرورة أن يدرك اليهود فى مالمو أنهم سويديو الجنسية أولا قبل كل شىء وكذلك جيرانهم من المسلمين، وعلى من يرغب فى مساندة إسرائيل أو أى دولة أخرى عليه أن يذهب إليها. ويذكر أن ريبالو رفض فى عام 2009 إعطاء تصريح لعدد من اليهود للخروج فى مظاهرة لمساندة اسرائيل، تعرضوا خلالها فيما بعد للرشق بالزجاجات الفارغة والبيض، فى الوقت الذى تكرر فيه خروج عدد من الشباب الأوروبى إلى الشوارع مرددين شعارات نازية وملقين بالبيض على مركز ترفيهى تابع للجالية اليهودية. من جانبها، أكدت كاترين ستيمفلت الرئيسة الجديدة لبلدية مالمو أنه من أولوياتها الحالية مكافحة العنصرية عبر توفير دورات تدريبية تهدف لنشر قيم التسامح وقبول الآخر بين سكان المدينة، ومن جانبها رحبت الجمعية الإسلامية بالسويد بكافة المبادرات مضيفة أن مالمو تعتبر اختبارا حاسما لمستقبل التعددية الثقافية بالبلاد، وأنه إذا ما فشلنا بها سيستغل المتربصون ذلك قائلين «انظروا ماذا يحدث عندما تستقدمون الكثير من المسلمين؟!».