أفضل ما فى الفيلم الأمريكى «After earth» أو بعد الأرض، أنه يعالج فكرة الخوف بذكاء ويحاول أن يعمق تلك الفكرة دون أن يعتمد فقط على الإبهار المعتاد فى الأفلام الخيالية الضخمة، كتب القصة بطل الفيلم ويل سميث، وشاركه البطولة ابنه الموهوب جادين سميث، وقام بالإخراج «نايت شيامالان». لم يفلت هذا المعنى من البداية إلى النهاية، وهناك عبارة يقولها بطل الفيلم لابنه هى: «الخطر حقيقة.. ولكن الخوف اختيار» تلخص كل الحكاية، وربما باستثناء بعض المواقف الساذجة، وباستثناء عدم تقديم المزيد من مشاهد الحركة التى كان يمكن أن يستوعبها الفيلم، فنحن بالتأكيد أمام فيلم جيد ويكفيه أنه حاول أن يقول شيئًا فى نوعية من الأفلام من النادر أن تقول أى شىء استغناء بالإبهار! تبدأ أحداث الفيلم بعد التخريب الذى قام به الإنسان على كوكب الأرض، ثم ظهور كائنات متوحشة يطلق عليها اسم «الأورسا» تقوم بمهاجمة البشر، ولكنها تتحرك ناحيتهم من خلال شّم رائحة خوفهم ورعبهم، الجنرال «سيفر» (ويل سميث) قائد فرقة الجوالة المقاتلة التى تخصصت فى مقاومة تلك الكائنات، ولكن تلك الفرق تقيم فى محطة شمسية بعيدة، نتعرف على ابن الجنرال وهو الفتى المراهق «كيتاى» (جادين سميث) الذى يحاول دون جدوى الحصول على لقب «جوال»، مع عودة والدة تلمح صرامة فى التعامل مع ابنه كيتاى إنه يبدو أقرب إلى قائده، والدته «جادين» تطلب من «سيفر» أن يعامله بطريقة مختلفة، فيصحبه معه فى رحلة بمركبة عملاقة لاستكمال التدريب، ولكن فى أثناء الرحلة تهب عاصفة خطيرة تؤدى إلى سقوط المركبة على كوكب الأرض، وتصبح المشكلة فى إصابت «سيفر» الخطيرة فى فخذه مما يستدعى عملية لتحويل الشريان، وتكون هناك مشكلة أخرى فى كيفية الحصول على ضوء الإرشاد الذى يمكن أن ينقل الاشارات عن مكان سقوطهم، ولكن هذا الضوء يحتاج الوصول إلى مكانه فى ذيل المركبة الذى سقط فى مكان بعيد، وهكذا يجد الفيلم الوسيلة لكى تتاح للمراهق «كيتاى» أن يذهب بمفرده للحصول على الضوء المطلوب على مسافة بعيدة، بشرط أن يقوم والده سيفر، الجنرال المصاب، بمتابعته بالصوت والصورة من خلال شاشات و أجهزة اليكترونية معقدة. من خلال بعض مشاهد الفلاش باك القصيرة، نعرف أن «كيتاى» مازال أسير مخاوف طفولته، كانت له شقيقة اسمها «سنشى» واجهت بشجاعة وحش «الأورسا» وحافظت على أخيها داخل بيت زجاجى، مما جعل الأب «سيفر» يشعر أن ابنه كيتاى مذنب ومدان بالتقصير فى حماية شقيقته، ولكن من خلال مغامرة كيتاى، يحاول المراهق النشيط أن يتخلص من مخاوفه، ويستعيد ثقة والده المصاب فى نفس الوقت، يعرف كيتاى من والده أن وحش «الأورسا» لا يمكن أن يهاجم من لا يخاف منه، فى هذه الحالة يصبح الإنسان مختفيًا تمامًا بالنسبة لهذا الوحش، تماما كما حدث مع «سيفر» نفسه فى إحدى المرات، يحصل كيتاى على سلاح والده، وشنطة الاسعافات، وبعض الأقراص التى تساهم فى الحصول على الأكسيجين، وتبدأ المغامرة التى تقود «كيتاى» لمواجهة حشود من القرود المتوحشة، كما يتعرض للهجوم من الطيور الجارحة، وفى كل مرة يقوم الأب من خلال الشاشة بمتابعة ابنه المراهق، وتحذيره عند وقوع أى خطر، ولكن اصابة «سيفر» تتفاقم مما يدفعه لإجراء عملية تحويل الشريان بنفسه، من ناحية أخرى، تحدث مواجهة متوقعة، فالابن مدفوعًا برغبته فى التخلص من عُقدة خوفه القديمة، مُصر على مواصلة الرحلة إلى المكان الذى يوجد به جهاز الانذار الضوئى المطلوب، والأب يأمره صراحة بالعودة بسبب عدم كفاية أقراص الأكسيجين اللازمة، فى النهاية يستكمل «كيتاى» الرحلة رغم سقوط والده فى إغماءة بسبب أصابته، ويصل المراهق، بعد أن تخلص من مخاوفه إلى مكان سقوط ذيل المركبة حيث يعثر على الجهاز المطلوب، ويكتشف هناك أن أحد وحوش «الأورسا» قد خرج من القفص الذى وضع فيه داخل المركبة، وبعد صراع شرس ينجح «كيتاى» فى قتل «الأورسا»، فقد تمالك شجاعته تمامًا فلم يره الوحش، وبسرعة استدار وغرس سيوف والده فى قلب «الأورسا» ومن خلال جهاز الإنذار، تصل فرق الإنقاذ أخيرًا، وتنجح فى إخراج الأب المصاب، ونقله من جديد للعلاج، وفى المشهد الأخير تغادر المركبة كوكب الأرض، وقد عادت الحيتان إلى المحيطات، كما أن الكوكب يمتلىء باللون الأخضر، وهى مفارقة غريبة فى ضوء ما عرفناه من معلومات سابقة، بأن الإنسان قد دمر الأرض، ويبدو أن الفيلم يتعاطف مع الكائنات البرية، ويرى فى غياب الإنسان فرصة جديدة لكى تعود إلى مكانها من جديد، وبدون مشاركة البشر. نجح ويل سميث فى أداء شخصية صارمة لا تنفعل كثيرًا، كما نجح أيضًا فى التعبير عن علاقة جافة مع ابنه «كيتاى»، من ناحية أخرى، أثبت الفيلم موهبة «جادين سميث» الذى اشترك مع والده من قبل، فى سن أصغر فى فيلم «البحث عن السعادة»، ربما بالغ «جادين» قليلًا فى تضخيم مشاعر الخوف، ولكن لا شك فى أنه يتمتع بحضور جيد على الشاشة، كما نجح فى تقديم مشهد تحدى الأب، ومواصلة الرحلة بشكل مميز، ربما كان يحتمل الفيلم مزيدًا من المغامرات والمعارك المشوقة، ولكن يحسب لصناعه أنهم طرحوا مفهومًا مختلفًا عن وهم الخوف فى فيلم يفترض أن يثير الخوف فى كثير من مشاهده!