بابا من الجنوب.. علامة عهد جديد.. ربما كان هذا العنوان الذى وضعته صحيفة «لوموند» الفرنسية تعليقا على اختيار بابا الفاتيكان الجديد، هو الأكثر دلالة على مدى التغيير الذى شهدته الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق باختيار البابا، لأن الأرجنتينى فرانسيس الأول والمنتمى لإحدى دول أمريكا الجنوبية، هو أول بابا يكسر الاحتكار الأوروبى لمنصب البابوية، الأمر الذى شكل مفاجأة من العيار الثقيل لمتتبعى الشأن البابوى. وقد تعددت تحليلات الصحف الأوروبية حول أسباب ومغزى اختيار بابا الفاتيكان من خارج أوروبا، والتحديات التى تواجهه الفترة القادمة، فأوضحت صحيفة «لوموند» أن رجال الدين الذين وقع اختيارهم على فرانسيس الأول كانوا يدركون حجم التحول الذى يتعين عليهم إحداثه فى تقاليد مؤسستهم الدينية، وهذا ما اقتضى منهم أن يضعوا فى الاعتبار حجم وجود الكنيسة الكاثوليكية فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وضرورة التكيف مع متطلبات عصر العولمة، وفهم ما يتسم به من خصوصيات وضرورات الانفتاح والتجديد، وذهبت الصحيفة إلى أن اتساع وجود الكاثوليكية فى القارة الأمريكية الجنوبية لعب أيضا دورا فى ترجيح كفة البابا الجديد، حيث إن أربعة من كل عشرة كاثوليك فى العالم هم من أمريكا اللاتينية، التى يزيد عدد أتباع تلك الطائفة فيها على 200 مليون شخص، وهى فى ذلك تتفوق على أوروبا الجديدة، ومن هنا فإن التغيير كان تاريخيا وواقعيا أيضا، مضيفة أنه إذا كان منصب البابوية لم يصله منذ ألف عام أى رجل دين غير أوروبى، إلا أن هذا الاستثناء قد انتهى الآن، وانتهت معه المركزية الأوروبية. أما موقع «سكاى نيوز» البريطانى فأبرز تصريحات البابا الجديد التى قال فيها «لقد أتوا بى من مكان بعيد» وذكرت أن تلك الجملة ليس للدلالة على بعد الأرجنتين عن روما، ولكن أيضا بعده التام عن مراكز السلطة فى روما، الأمر الذى سيعطيه حرية الحركة فى عملية الإصلاح التى يتمناها، وقالت «سكاى نيوز» فى تقرير لها إن البابا الأرجنتينى الجنسية سينتقل بالمنصب البابوى إلى أمريكا اللاتينية التى تمثل الروح النابضة للكاثوليكية فى العصور الحديثة، بعد أن تراجعت الكاثوليكية والمسيحية والحياة الدينية بشكل عام فى مختلف أنحاء أوروبا. وفى ذات السياق، كتبت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن اختيار الكرادلة ال 115 للبابا الجديد كان موفقا تماما، ويعد مؤشرا على التغيرات التى ستشهدها الكنيسة الكاثوليكية فى عهده، واتفقت صحيفة «الجارديان» البريطانية مع الآراء السابقة، فقالت إن انتخاب البابا شكل قفزة استثنائية وتوجها نحو تكريس التغيير على مستوى المواقف المحافظة التى طالما طُبقت فى عهد أسلافه. وإذا كان أغلب الصحف قد تناولت بالتحليل دلالات اختيار البابا من خارج أوروبا، فإنها أبرزت أيضا حسه الاجتماعى، وتواضعه الشخصى، وحياته المتقشفة، وتطلعه للعدالة الاجتماعية، فذكر موقع «بى بى سى» البريطانى أن البابا كان يعيش حياة بسيطة فى شقة صغيرة وليس فى مقر فخم لإقامة كاردينال، وكذلك كان يفضل استخدام وسائل النقل العام بدلا من سيارة يقودها سائق خاص، وأيضا بعد اختياره لاعتلاء الكرسى البابوى، ذهب البابا للفندق الذى كان يقيم فيه أثناء اجتماعات المجمع المقدس، وذلك لكى يشكر عاملى الفندق ويدفع فاتورة حسابه، وأشارت صحيفة « ديلى تليجراف» البريطانية إلى أن البابا مشهود له بالتواضع والزهد والابتعاد عن كل ما يمت لرغد الحياة بصلة. وعن التحديات التى يواجهها البابا الجديد قالت إذاعة «دويتشه فيلة» الألمانية فى تقرير لها إن البابا بنديكيت السادس عشر ترك وراءه تركة ثقيلة لخلفه لا تقتصر فقط على القيادة الروحية لأكثر من 1.2 مليار كاثوليكى فى العالم، ولكن تنطوى كذلك على ملفات ساخنة على رأسها قضايا التحرش الجنسى المتعاقبة فى الكنيسة الكاثوليكية، وتحديد النسل، والطرق المثلى لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة، أما صحيفة «لوموند» فأضافت أنه من التحديات الأخرى التى تواجهه تغول العلمانية بشكل متفاقم فى المجتمعات الغربية، وفى الوقت نفسه انتشار التيار الإنجيلى فى دول الجنوب على حساب الكاثوليكية. جدير بالذكر أن البابا فرانسيس الأول اسمه الحقيقى «خورحى ماريو برجوجليو» ولد عام 1936 لأبوين أرجنتينيين من أصل إيطالى، وكان والده موظفا فى السكك الحديدية فى العاصمة الأرجنتينية « بيونس آيريس»، تعلم فى مدرسة فنية، وأنهى دراسته فيها وحصل على شهادة فنى كيميائى، ثم بدأ فى تلقى العلم اللاهوتى فى سن الحادية والعشرين، وبعد تنصيبه قسا عام 1969 تابع دراساته اللاهوتية، وأصبح كبير رهبان الإقليم فى الفترة من عام 1973 وحتى 1979، وفى عام 2001 أصبح كاردينالا على يد البابا يوحنا بولس الثانى.