أثار الحكم التاريخى الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى فى الدعاوى التى تحمل أرقام 28113 لسنة 67 قضائية ، و28656 لسنة 67 قضائية ، والدعاوى الأخرى المنضمة إليهما والتى بلغ إجمالى عددها أربع عشرة دعوى جدلاً فقهياً وقانونياً واسع النطاق وذلك لأنها قد تضمنت مبادئ قانونية وقضائية جديدة تحدث لأول مرة بعد تطبيق الدستور المصرى الجديد لسنة 2012 والمعمول به اعتباراً من 25/12/2012 وسوف نتعرض فى هذا المقال للمبادئ القانونية التى تضمنتها الأحكام المنضمة المذكورة والآثار القانونية المترتبة على صدور هذا الحكم التاريخى وذلك فيما يلى : المبادئ القانونية التى تضمنها الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 6/3/2013 بوقف انتخابات مجلس النواب : سوف نتعرض لبيان المبادئ القانونية التى تضمنها الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 6/3/2013 بوقف انتخابات مجلس النواب وذلك فى البنود التالية : أولاً : قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى بالمبدأ التالى فى منطوق حكمها : قبول الطعن فى الدعاوى القضائية التى أقيمت أمامها وطالبت بوقف تنفيذ القرار الجمهورى رقم 134 لسنة 2013 الصادر بتاريخ 21 فبراير 2013 بدعوة الناخبين إلى التصويت فى الانتخابات البرلمانية والمعدل بالقرار رقم 148 لسنة 2013 وقررت إحالة القانون للمحكمة الدستورية العليا مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف إجراءات انتخابات مجلس النواب المحدد لها 22 أبريل 2013 ، وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته الأصلية وبلا إعلان. كما تضمن منطوق الحكم وقف نظر موضوع الدعاوى المتداولة أمامها والمنضمة وعددها أربعة عشرة دعوى وإحالة الدعاوى للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القانون رقم 2 لسنة 2013 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب والقانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية . ثانياً : أرست الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى فى حيثيات حكمها بوقف انتخابات مجلس النواب قاعدة قانونية مفادها أن القرارين المطعون فيهما يتصلان اتصالاً مباشراً بالحقوق السياسية للمواطنين ويؤثر فى حقهم فى الانتخاب. ثالثاً : استندت محكمة القضاء الإدارى فى تأصيل حكمها أن الدعوى أقيمت لوقف قرارى رئيس الجمهورية رقمى 134 لسنة 2013 معدل بالقرار رقم 148 لسنة 2013 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد. رابعاً : أكدت المحكمة على أن القرارين المطعون فيهما يتصلان اتصالاً مباشراً بالحقوق السياسية للمواطنين ويؤثر فى حقهم الدستورى فى الانتخاب باعتباره المظهر الأهم لمبدأ سيادة الشعب وقد صدر القراران فى ظل دستور جديد وأصبحت القرارات خاضعة لمرجعية دستورية جديدة وما يستتبعه ذلك من انفراد الرئيس من اتخاذ تلك القرارات وقد توافر لمقيمى الدعوى صفة ومصلحة وذلك ردا على الدفع المبدى من الدولة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائيا بنظر الدعوى المعروضة عليها. خامساً : فسرت المحكمة أن الدستور المصرى الجديد المعمول به اعتباراً من 25 /12/ 2012 نص فى المادة 141 منه على أن : « يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء؛ عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية، والسلطات المنصوص عليها بالمواد (139)، (145)، (146)، (147)، (148)، (149) من الدستور.» كما استخلصت المحكمة من نص المادة 230 من الدستور الجديد فى فقرته الأولى أن : « يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد.» وأضافت المحكمة فى مبادئها أن الثابت أن اختصاصات رئيس الجمهورية التى يباشرهاً منفردا هى استثناء من الأصل العام فيختص بالمسائل المتعلقة فقط بالدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية والسلطات المنصوص عليها فى المادة 139 و145 و147 و148 و149 أما ما يخالف ذلك فيباشره عن طريق رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء . واستخلصت المحكمة من الوقائع المعروضة عليها أن رئيس الجمهورية انفرد بالتشريع دون العرض على رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء لينظره فى جلسته ليوافق عليه بعد المناقشة والمداولة مع رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ، وقرار رئيس الجمهورية إن لم يكن بالاتفاق يكون مخالفا للقانون والدستور والمبدأ الدستورى المتعلق بممارسة رئيس الدولة سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء. سادساً : أسست المحكمة فى تفسيرها للمادة 175 من الدستور الجديد فى فقرتها الأولى أن : «المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة، مقرها مدينة القاهرة، تختص دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح.» وأنه يجب إعادة عرض القوانين عليها بعد انتهاء مجلس الشورى من تعديلها فى حالات الرقابة السابقة على دستورية القوانين . سابعاً : كما أسست المحكمة فى تفسيرها للمادة 177 من الدستور الجديد على أن : « يَعرِض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية وللانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور. وتصدر قرارها فى هذا الشأن خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ عرض الأمر عليها؛ وإلا عُد عدم إصدارها للقرار إجازة للنصوص المقترحة. فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها. ولا تخضع القوانين المشار إليها فى الفقرة الأولى للرقابة اللاحقة المنصوص عليها فى المادة (175) من الدستور.» وقد انتهت المحكمة فى حكمها إلى أن عدم عرض القانون على مجلس الوزراء يشكل عدواناً على الاختصاصات الدستورية المقررة لمجلس الوزراء وبالتالى فإن ميعاد الانتخابات المحدد من قبل رئيس الجمهورية قد أصبح بعد نفاذ الدستور الحالى أنه تجب مباشرته وتحديده عن طريق مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ، وقد شرحنا ذلك تفصيلا فى كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصرى الجديد لسنة 2012 والتشريعات المكملة له». ثامناً : أوضحت المحكمة فى أسباب حكمها أن الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا رقابة ترد على مشروع قانون وهى مجردة ترد على نصوص منفصلة ولم تؤخذ بعد موضع التطبيق وغير متاحة للمواطنين ولذلك فإنها تدور فى دائرة الاستثناء وهى الأصل وهى الرقابة اللاحقة، وإذا كان لجوء الدستور لهذا الأسلوب قصد منه توقى إجراءات الانتخابات المشار إليها وفقا لنصوص قد تكون مخالفة للدستور وحتى لا تبطل الانتخابات الأمر الذى يستلزم أن يعرض القانون على المحكمة لإعمال رقابتها ويلتزم مجلس الشورى بذلك الذى يتولى مؤقتا سلطة التشريع بإعمال قرار المحكمة الدستورية إذا أجرى تعديلات جديدة على مشروع القانون وجبت إعادته للمحكمة الدستورية مرة أخرى لبيان ما إذا كانت التعديلات مطابقة للدستور من عدمه. إنما يتعين على مجلس الشورى بعد إجراء التعديلات أن يعيدها مرة أخرى للمراقبة ولا وجه للقول بأن الدستور لم يلزم المجلس المختص بالتشريع أو رئيس الجمهورية بإعادة عرض مشروع القانون بعد أن يعدل ذلك أن الرقابة الدستورية السابقة هى عملية فنية لا يملك الحكم على تمامها إلا الجهة صاحبة الولاية الدستورية وهى المحكمة الدستورية. تاسعاً : وانتهت محكمة القضاء الإدارى فى المبادئ التى تضمنها الحكم إلى أن مجلس الشورى لم يسند إليه الدستور حسم دستورية ما يتولاه من تشريع وقد تضمن الدستور إسناد تلك الرقابة إلى المحكمة الدستورية العليا والأصل أن كل سلطة مقيدة بحدود اختصاصاتها أو ولايتها ولا يجوز أن تُفرّط فيها أو تتعداها، إلا أن مجلس الشورى لم يلتزم كاملا بالتعديلات على المشروع ولم يعرضها على المحكمة الدستورية والتأكيد منه على أنه قد قام بإعمال مقتضاها ، الأمر الذى يكون معه القانون رقم 2 لسنة 2013 قد صدر مشوبا بشبهة عدم الدستورية وانتهت محكمة القضاء الإدارى إلى منطوق حكمها سالف البيان فى البند أولاً من هذا المقال . الآثار الواقعية المترتبة على حكم محكمة القضاء الإدارى بوقف انتخابات مجلس النواب : سوف يترتب على حكم محكمة القضاء الإدارى بوقف انتخابات مجلس النواب الآثار القانونية والواقعية الآتية : أولاً : وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 134 لسنة 2013 بشأن دعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب ووقف إجراءات الانتخابات المحدد لها يوم 22 أبريل 2013. ثانياً : إحالة الدعاوى القضائية الأربع عشرة المقامة أمام محكمة القضاء الإدارى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القانون رقم 2 لسنة 2013 بشأن تعديل قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، وذلك كرقابة لاحقة على صدور هذا القانون طبقاً للاختصاصات الدستورية للمحكمة الدستورية العليا المنصوص عليها فى الدستور الجديد. ثالثاً : حق الدولة فى الطعن على هذا الحكم أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا. رابعاً : حق مجلس الشورى طبقاً لاختصاصاته المبيّنة فى المادة 230 من الدستور فى إعادة بحث العوار الدستورى الذى لحق بالقانون رقم 2 لسنة 2013 بشأن تعديل قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب وإعادة إرساله إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر فيه مرة أخرى كرقابة دستورية سابقة على هذا القانون، وقد شرحنا ذلك تفصيلا فى كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصرى الجديد لسنة 2012 والتشريعات المكملة له». خامساً : حق رئيس الجمهورية فى إعادة فتح نقاش موسّع حول قانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلسى النواب والشورى وإعادة إصدار قوانين جديدة تتناول المشكلات القائمة فى الدولة ووضع حلول عملية وواقعية عاجلة لها.