لعقود طويلة، ظلت العلاقات التركية اليونانية تسير على وتيرة واحدة من التوتر والاضطراب، فالعلاقة بين الدولتين هى تاريخ ممتد ملىء بالخلافات فى وجهات النظر وتضارب فى المصالح الاستراتيجية، بداية من المشكلة القبرصية ومرورا بدعم وإيواء الحكومة اليونانية لقيادات حزب العمال الكردستانى الانفصالى المحظور ووصولا إلى أزمة تبعية جزر بحر إيجه والمقسمة إلى سبع مجموعات، الأمر الذى جعل من المواجهة العسكرية خيارا متاحا فى كثير من الأحيان بين الجارتين اللدودتين، وعقب كل محاولة للتهدئة والتقريب بين الجانبين يظن البعض انتهاء العداء وتسوية الخلاف، إلا أن بروز إحدى المشكلات إلى السطح كفيل دائما بإشعال الصراع مرة أخرى، ومؤخرا برزت من جديد مشكلة نفط وغاز بحر إيجه. وجاء منح الحكومة التركية تراخيص لعدة شركات متخصصة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعى فى بحر إيجه، ليثير حفيظة الحكومة اليونانية التى قررت اللجوء مباشرة ودون سابق انذار إلى الأممالمتحدة للتأكيد على حقها فى الأعماق المائية لبحر إيجه، وتقدمت الخارجية اليونانية بمذكرة احتجاج شفهية إلى مسئولى الأممالمتحدة لدعم حقوقها التاريخية فى المنطقة المتنازع عليها على حد تعبير وزارة الخارجية اليونانية، والغريب فى الأمر حدوث ذلك بعد سبعة أيام فقط على لقاء وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو ونظيره اليونانى ديمتريس افرامابولوس، وهو اللقاء الذى تعهدا فيه بتطوير العلاقة بين البلدين عن طريق رفع حجم التجارة الثنائية والعمل على تحويل بحر إيجه إلى رمز للصداقة بينهما. وتعد مشكلة نفط وغاز بحر إيجه، هى الأقدم فى مسلسل الخلافات التركية اليونانية، إذ تعود إلى عام 1936 عندما قامت اليونان بتوسيع ومضاعفة مياهها الإقليمية لتصل إلى 6 أميال بحرية بما يسمح لها بالسيطرة والسيادة التامة على 43.5% من مساحة بحر إيجه، ويقلص حق تركيا إلى 7.5% فقط بينما ال49% الباقية هى المساحة الخاصة بالمياة الدولية، وهو ما أدى آنذاك إلى عدة مناوشات عسكرية بين الجارتين اللدودتين، ورغم تعديل قانون البحار عقب الحرب العالمية الثانية فإن الوضع ببحر إيجه ظل كما هو عليه، بل إنه فى بداية الثمانينيات طالبت اليونان بحقها فى مضاعفة مياهها الإقليمية مرة أخرى إلى 12 ميلا بحريا وفقا للمادة الثالثة بالتحديد دون غيرها من قانون البحار، وهو ما استقبلته تركيا برفض شديد وصارم كما هددت برد عسكرى فورى وقاس فى حالة حدوث ذلك. ويستبعد خبراء ومراقبون سياسيون لجوء أحد الجانبين إلى الخيار العسكرى أو التلويح به، ويرى «جونجور أرسلان» وهو لواء متقاعد بالجيش التركى وخبير عسكرى لأحد مراكز الدراسات الاستراتيجية أن تركيا ليس من مصلحتها الدخول فى مواجهة عسكرية جديدة فى الوقت الذى تعانى فيه من توتر حدودها الجنوبية مع سوريا، كما أن اليونان المفلسة اقتصاديا لا تقوى على الدخول فى أى عمل عسكرى من شأنه تكبيدها خسائر اقتصادية فادحة، ويوافقه فى الرأى الكاتب والمفكر التركى «أورلات اوجر سيفلييك» الذى يرى أن تركيا لن تسعى للحصول على حقها فى بحر إيجه وجزره بالقوة ولا تهدف للسيطرة عليهما من الأساس بل تقوم استراتيجيتها على تدويل القضية بما يساعد على هدم وتصفية كافة الإدعاءات اليونانية. ويرى أن إصدار الحكومة التركية لتراخيص التنقيب عن النفط والغاز عقب أسبوع واحد فقط من لقاء وزيرى خارجية البلدين يأتى ضمن تلك الاستراتيجية ليؤكد للأمم المتحدة والعالم أن إقامة علاقات مع اليونان لايعنى التنازل عن حقوقنا الطبيعية.