الثورات تشبه العمليات الجراحية يحتاج بعدها جسد المجتمع إلى فترة نقاهة حتى يتعافى، مسموح فيها بكل ما يدعم عملية التعافى وممنوع أو غير مرغوب فى أى نشاط يؤخر الحالة أو يحول دون تمام التعافى. وفى مثل هذه الظروف؛ ظروف مجتمع مثل مجتمعنا نعرف جميعًا أنه فى فترة النقاهة الممتدة للتعافى يجب أن تكون هناك مسافة واضحة ندركها جميعًا حكومة ومعارضه رئاسة وشعبًا، وإعلامًا وجمهورًا.. مسافة بين نشاط يبرز الفرقة والانقسام ويلقى الملح على الجروح ونشاط منحاز إلى المشاركة فى إيجاد رؤية مجتمعية واعية، ليس شرطا أن نتفق فيها بقدر مانكون قادرين على التوافق. برامج التوك شو العربية المفترض أنها مع وصول البلد إلى حالة التعافى والمفترض أنها تعمل فعلا على خلق اعتياد عند الناس فى بلدنا على قبول الاختلاف كظاهرة صحية فى مجتمع ديمقراطى. .. مقدمو هذه البرامج فى رداء الحيدة والحياد دورهم الأوضح هو إدارة عملية تسخين ممنهجة بين الديوك أو الضيوف المتصادمة رؤاهم أو مواقفهم، وهذا الأداء الإعلامى يحمل دومًا إلى الناس كورًا ملتهبة من التوتر، تحرم المجتمع من التعافى وقد تحول المشاهد إلى محتاج لطبيب نفسى، ويا سلام لما يتوافر لهذه البرامج ساسة من نوعية محدثى السياسة النفر منهم مش فاهم هو بيقول إيه أو عاوز ايه من اللى بيقولوه.. أو ساسة من ذوى الغرض الذى هو مرض (على رأى ولاد البلد)! ..النتاج الظاهر من هذه النوعية من البرامج ومن هذا الأداء الإعلامى يعمل فعلًا على خلق اعتياد عندالناس على قبول الاختلاف كظاهرة ديمقراطية صحية.. لكنه ينزع من الشارع التوافقى فى حدوده الدنيا التى يحتاج إليها مجتمع يتعافى). وهنا يبرز أن الإعلام الموجه لخدمة غرض (عبورنا المرحلة الحرجة) ليس كله إعلامًا مفتقدًا للحرية. .. ومن الممكن أن يكون إعلامًا كله الحرية إذا اتفقنا أو على الأقل.. (توافقنا).