أراح الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى أعصاب أنصاره، ولو بصورة مؤقتة، بعد نجاته من توجيه الاتهام له فى قضية «بيتنكور»، الأمر الذى يجدد آمال عودته إلى الساحة السياسية وترشحه مجددا لانتخابات الرئاسة فى 2017، وخاصة فى ظل أزمة يمر بها حزبه اليمينى المعارض- الاتحاد من أجل حركة شعبية- اثر الصراع على خلافته فى رئاسة الحزب. وعقب مثول ساركوزى أمام قضاة التحقيق فى مدينة بوردو جنوب غرب فرنسا، واستجوابه على مدى 12 ساعة بتهمة جمع تبرعات غير قانونية من وريثة مجموعة لوريال العالمية لمستحضرات التجميل ليليان بيتنكور (90 عاما)- أغنى امرأة فى فرنسا - لحملته الرئاسية عام 2007 ، الأمر الذى نفاه ساركوزى، قرر القضاة منحه صفة «شاهد يرافقه محاميه» وهى صفة ينفرد بها القانون الفرنسى وقد تم إدخالها عام 1987 وتعتبر فى منزلة وسط بين صفة الشاهد العادى والشاهد المتهم وتسمح لمحامى الشاهد بالاستمرار فى الاطلاع على ملفه، وهو إجراء فى القضاء الفرنسى يعنى أنه ليس عرضة لأن يواجه المحاكمة ولكن إذا ما جمع القضاة دلائل «خطيرة أو متقاطعة» تشير إلى تورط الشاهد فى الوقائع الواردة فى الدعوى فإن هذا الشاهد قد يصبح متهما. وكان ساركوزى- الذى انسحب من الحياة السياسية عن 57 عاما بعد هزيمته فى الانتخابات الرئاسية فى مايو الماضى أمام الاشتراكى فرانسوا أولاند- يواجه احتمال اتهامه باستغلال شخص فى موقف ضعيف وهى بيتنكور التى وضعتها محكمة فرنسية العام الماضى تحت الوصاية القانونية لإصابتها بالخرف منذ سبتمبر 2006 وذلك بعد أن اتهمت ابنتها مستشارى بيتنكور باستغلال والدتها لتحقيق مكاسب شخصية. وتستند القضية ضد الرئيس الفرنسى السابق إلى ما ذكرته محاسبة سابقة لدى بيتنكور للشرطة فى 2010، بأن باتريس دو ميستر المدير السابق لثروة بيتنكور طلب منها 150 ألف يورو فى بداية 2007، لإعطائها إلى ايريك فورت الذى كان حينها المسئول المالى عن حملة ساركوزى. ويتجاوز المبلغ بكثير الحد الأقصى المسموح به للتبرعات للحملات الانتخابية وهو 7500 يورو للأحزاب و6400 يورو للأفراد. وكان دو ميستر المنتمى حينها إلى دائرة كبار مانحى الهبات إلى حزب ساركوزى مقربا من اريك فورت والتقى ساركوزى فى قصر الاليزيه. وتجاوز القيمة القانونية للتبرعات هو الشق الثانى من القضية التى يواجهها ساركوزى. ويثير تمويل الحملة الانتخابية لساركوزى عام 2007 جدلا آخر يتعلق باحتمال حصوله على تمويل مالى بخمسين مليون يورو من نظام القذافى، وقد رفع ساركوزى دعوى بتهمتى «تزوير» و «نشر أخبار كاذبة» بحق موقع «ميديا بارت» الذى نشر الخبر. كما يواجه ساركوزى قضايا أخرى بينها قبض رشاوى فى صفقة بيع غواصة لباكستان عندما كان وزيرا للمالية عام 1995، وكذلك التجسس على مصادر صحفية والإنفاق على استطلاعات رأى من جانب مكتبه عندما كان رئيسا للبلاد. ومع ذلك، فإن نجاح ساركوزى فى الإفلات من توجيه التهمة له فى قضية بيتنكور وإن كان بشكل مؤقت، من شأنه أن يريح أنصاره الراغبين فى ترشحه مجددا لانتخابات الرئاسة فى 2017، حيث أظهر استطلاع للرأى أجراه مؤخرا المعهد الفرنسى للرأى العام ونشرته مجلة «لونوفل ابسرفاتور» أن 64 % من أنصار «الاتحاد من أجل حركة شعبية» يفضلون ساركوزى- رغم متاعبه القانونية- على الشخصين الآخرين الأبرز للترشح للانتخابات فى 2017، وهما فرانسوا فيون (58 عاما) الذى أمضى خمس سنوات رئيسا للوزراء فى عهد ساركوزى وجان فرانسوا كوبيه (48 عاما) الذى فاز برئاسة الحزب. هذا الاتجاه لدى أنصار اليمين، زاد بعد الصراع الذى دار بين كوبيه وفيون على رئاسة الحزب فقبل ظهور نتيجة الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب التى أجريت فى 18 نوفمبر الماضى، أعلن كل من فيون وكوبيه فوزهما وتبادلا الاتهامات بتزوير الانتخابات. وبعد أن أظهرت النتيجة فوز كوبيه بحصوله على 50,03% من الأصوات متقدما على خصمه ب98 صوتا من أصل 175 ألف عضو شاركوا فى الانتخابات طعن فيون فى نتيجة الانتخابات مدعيا أن لجنة التنظيم نسيت احتساب بطاقات ناخبى أقاليم ما وراء البحار. وحتى بعد أن أكدت لجنة الطعون فى الحزب فوز كوبيه سارع فيون إلى الاعتراض على هذه النتيجة مشككا فى شرعية اللجنة الوطنية للطعون فى الحزب ومعلنا عزمه على رفع المسألة إلى القضاء. وفى ظل الأزمة التى يمر بها الحزب، تنبأت بعض الصحف الفرنسية بعودة ساركوزى باعتباره المستفيد الأكبر من المبارزة التى انتهت لصالح أحد مقربيه. وذكرت صحيفة «لو فيجارو» المحافظة أن الفائز الحقيقى فى الانتخابات هم أولئك الذين يريدون عودة ساركوزى من جديد إلى الساحة السياسية. وفى الوقت نفسه، يرى محللون أن هذا الخلاف من شأنه تعريض الحزب إلى الانقسام بين فصيل يمينى متشدد بزعامة كوبيه فى محاولة لجذب أنصار الجبهة الوطنية (يمين متطرف)، وآخر ينتمى ليمين وسط يلتف حول فيون مما سيزيد من حالة الاضطراب التى يعانى منها الحزب فى أعقاب سلسلة من الإخفاقات الانتخابية على مدى السنوات الخمس الماضية، والتى توجت بهزيمة زعيمه السابق ساركوزى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وفى هذا السياق، اعتبرت زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبان أن الحزب خرج من الانتخابات منكسرا معلنة انتهاء «الاتحاد من أجل حركة شعبية» مما يفتح لها الطريق فى الانتخابات الرئاسية 2017.