يبدو أن منطقة جبل طارق ستظل نقطة الخلاف الدائمة التى تعكر صفاء العلاقات الإسبانية البريطانية. ورغم أن هذه المنطقة تشتعل وتهدأ بين فترة وأخرى، فإن الأزمة هذه المرة تختلف كثيرا عن سابقتها حيث أخذت منحنيات دبلوماسية وعسكرية أكثر خطورة. بداية الأزمة تعود إلى دخول مجموعة من مراكب الصيد الأسبانية إلى المياه الإقليمية لمنطقة جبل طارق الخاضعة لحكم التاج الملكى البريطانى، الأمر الذى دفع الحكومة البريطانية إلى استدعاء السفير الإسبانى فى لندن فيدريكو تريلو لتعبر لحكومته عن غضبها واحتجاجها على تلك الواقعة باعتبارها ليست المرة الأولى، ولكنها أيضا لم تكن الأخيرة حيث أعقبها بأيام قليلة دخول مجموعة من مراكب الصيد الإسبانية بصحبة بعض القطع الحربية للاسطول الأسبانى، مما دفع حكومة بريطانيا إلى استدعاء السفير تريلو مرة أخرى، وتوجيه إنذار شديد اللهجة معبرة فى الوقت نفسه عن حزنها لتجاهل نظيرتها الإسبانية احتجاجها الأول. وأصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانا على لسان المتحدث الرسمى لها سايمون فريزر، أكدت فيه بريطانيا «رفضها لمحاولات اسبانيا فرض سيادتها على المياه الإقليمية لجبل طارق»، وأكد البيان على أن جبل طارق منطقة بريطانية وأن القوات البريطانية ملتزمة بحماية مصالحها ورغبة شعبها فى البقاء تحت التاج البريطانى، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدى أمام تلك الانتهاكات الصارخة. عقب هذا البيان، خرجت إسبانيا عن صمتها برد لم يقل حدة، إذ قامت باستدعاء السفير البريطانى جليز باكسمان للتعبير له عن غضبها تجاه تصرفات وتصريحات حكومته مضيفة أن قواتها البحرية ستحمى الصيادين الأسبان ولن تسمح بالمساس بهم مطلقا فى مياه منطقة جبل طارق التى تعتبرها جزءا من حدودها ومن حقها وحق مواطنيها التحرك بداخلها بكل حرية. وعبر وزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل جارسيا، عن أسفه لهذه الخلافات مؤكدا على أن إسبانيا تريد إقامة علاقات قوية مع بريطانيا باعتبار أن لهما الكثير من المصالح المشتركة. ولكنه شدد على أن ذلك لايعنى التنازل عن أشياء أخرى ذات أهمية سيادية. ومن ناحية أخرى، استبعد محللون سياسيون وقوع صدام عسكرى بين الدولتين وإن لم يخف البعض منهم قلقه من وقوع حوادث استثنائية بين الطرفين خاصة مع صعوبة استمرار حالة ضبط النفس القائمة على المدى البعيد فى حال تكرار ما وصفوه ب «الانتهاكات الاسبانية»، ولكنهم لم يستبعدوا حدوث تصعيد دبلوماسى بين الدولتين. ويرى محللون آخرون أن تصعيد هذه الخلافات إلى السطح مرة أخرى فى الوقت الحالى هو محاولة من الحكومة الإسبانية لجذب انتباه شعبها بعيدا عن التفرغ للاحتجاجات والتظاهرات على سياساتها التقشفية. وتخضع منطقة جبل طارق للتاج الملكى البريطانى منذ عام 1701 عقب احتلال الأسطول الإنجليزى لها خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكلما أعلنت أسبانيا عما تعتبره «حقها التاريخى» فى المنطقة، تخرج بريطانيا بتهديدات صريحة وبإعلان خيارين لا ثالث لهما، إما بقاء الحال على ما هو عليه وإما إقامة استفتاء شعبى بين سكان جبل طارق للحصول على استقلالهم، الأمر الذى تخشاه أسبانيا خوفا من مطالبة إقليمى كتالونيا والباسك بالمساواة بجبل طارق، علما بأن بريطانيا ليست الخصم الوحيد للأسبان فى منطقة جبل طارق إذ تتنازع المملكة المغربية الشقيقة مع إسبانيا حول الأحقية فى جزيرة ليلى ومدينة سبتة.