بالرغم من أن خطة التخلى عن الطاقة النووية التى أعلنت عنها الحكومة اليابانية تعد تحولا تاريخيا بالنسبة للدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد صناعى فى العالم والتى كانت تخطط قبل كارثة مفاعل فوكوشيما لزيادة نصيب الطاقة النووية إلى أكثر من 50% من إنتاج الكهرباء، فإن هذه الخطوة من وجهة نظر المواطنين اليابانيين مجرد خدعة انتخابية تهدف إلى استرضائهم وفى الوقت نفسه استرضاء لوبى الأعمال اليابانى. وفى ظل المعارضة الشعبية المتصاعدة لاستئناف عمل المفاعلات النووية، اضطرت الحكومة اليابانية إلى الإعلان عن عزمها وقف استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء بحلول ثلاثينيات القرن الحالى. وتضمنت الخطة ثلاثة مبادئ لتحقيق هذا الهدف: أولا، عدم بناء أية محطة نووية جديدة، ثانيا، وقف المفاعلات القائمة بعد أربعين عاما من بدء تشغيلها، وأخيرا رفض إعادة تشغيل الأجزاء المتوقفة منها قبل إجراء فحوص لسلامتها من قبل لجنة مختصة. وكانت الطاقة النووية تغطى نحو 30% من احتياج اليابان للكهرباء قبل وقوع الزلزال المدمر الذى ضرب البلاد فى مارس 2011 وأدى إلى موجات مد عاتية «تسونامى» تسببت فى إحداث أضرار بمحطة فوكوشيما مما تسبب فى أسوا كارثة نووية فى العالم منذ كارثة مفاعل تشرنوبل الروسى عام 1986. ومنذ ذلك الحين تراجع الإنتاج النووى اليابانى إلى حد كبير حيث لا يعمل حاليا سوى مفاعلين نووين من أصل خمسين مفاعلا. ويعارض لوبى الطاقة والأعمال فى اليابان أية خطة للتخلى الفورى عن الطاقة النووية على اعتبار أن ذلك من شأنه زيادة واردات البلاد من البترول والفحم والغاز لسد احتياجاتها من الطاقة مما سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية للوقود وبالتالى ارتفاع أسعار الطاقة بالبلاد مما سيشل اقتصاد الدولة وسيضر بمصالحهم. وقد أدت بالفعل زيادة واردات الوقود وارتفاع أسعارها خلال العام الماضى إلى حدوث عجز فى الميزان التجارى اليابانى للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاما. ومن ناحية أخرى، تواجه الحكومة اليابانية احتجاجات شعبية متزايدة للتخلى الفورى عن الطاقة النووية والتى لم تنجح الخطة الجديدة فى تهدئتها حيث ترى الحركات المناهضة للطاقة النووية أن الخطة لا قيمة لها لأن الحزب الديمقراطى اليابانى الحاكم، سيخسر على الأرجح فى الانتخابات التشريعية القادمة، وحتى وإن نجح فستظل الشكوك تحيط بالخطة بسبب طول مداها وغموض بنودها وقبولها للتفاوض حيث إن وزير الاستراتيجيات الوطنية اليابانى موتوهيشا فوروكاوا اقر عند إعلانه للخطة بأن ما تتضمنه من إجراءات هو مجرد خطوط إرشادية قابلة للمراجعة والنقاش. وبالرغم من الموعد المحدد لإغلاق المفاعلات بعد 40 عاما من تشغيلها، فإن فوروكاوا قال إنه يمكن مد هذه المدة إذا ما رأت ذلك لجنة الخبراء التى تم تعيينها حديثا للإشراف على الطاقة النووية والتى قال فوروكاوا إن الحكومة ستذعن لقراراتها. كما أن الخطة لم تغير من توجه الحكومة لإعادة تشغيل المفاعلات ال48 المتوقفة حاليا، إضافة إلى عدم تطرقها إلى مصير المفاعلات السبعة تحت الإنشاء، والتى إن تم السماح بدخولها الخدمة فإن ذلك سيعنى استمرار عملها حتى سبعينيات القرن الحالى. ويرى المنتقدون للخطة أن رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا يهدف من وراء القرار إلى الفوز بالانتخابات العامة المبكرة التى ينوى الدعوة لها قريبا وذلك باسترضاء الحركات المناهضة للطاقة النووية وفى الوقت نفسه استرضاء لوبى الأعمال اليابانى حيث يقول المواطن اليابانى كومى تومياسو، أثناء مشاركته فى تجمع حاشد أمام مكتب رئيس الوزراء بعد الإعلان عن الخطة، إن الحكومة اليابانية «بإبقائها على الطاقة النووية لمدة طويلة، قدمت مصالح شركات الطاقة والشركات التجارية الكبرى على مصالح الشعب اليابانى». وعلى أية حال، فإن اليابان بقرارها هذا انضمت إلى دول مثل ألمانيا وسويسرا فى التخلى التدريجى عن الطاقة النووية بعد حادث فوكوشيما حيث قررت سويسرا التخلى عن استخدام الطاقة النووية بحلول عام 2034 بينما أقرت الحكومة الألمانية خطة لإغلاق كافة محطات الطاقة النووية على أراضيها بحلول عام 2022. هذا بالإضافة إلى قرار ايطاليا بعد حادث فوكوشيما بالتخلى عن خطة كانت تعتزم تنفيذها لاستخدام الطاقة النووية من جديد حيث كانت ايطاليا قد بدأت فى التخلى عن الطاقة النووية بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل. أما فى فرنسا فبالرغم من إعلان رئيسها فرانسوا أولاند عن إغلاق محطة «فيسنهام»، أقدم محطة نووية بالبلاد، بحلول عام 2016، فإنه من المستبعد استغناءها عن الطاقة النووية فى المستقبل المنظور لأن ذلك سيعنى حلول كارثة باقتصاد البلاد حيث تنتج محطاتها النووية 80% مما تحتاج إليه من الطاقة.