يقال إن جحا عاد إلى الحياة العصرية بملابسه التاريخية وهيئته المعروفة.. وكان إعجوبة ألتف حولها الناس.. وبالطبع حاول بعض الحلانجية استثمار وجوده.. والاستفادة من جهله بالتطورات الحديثة التى جرت ولم تكن على أيامه ونجح بالفعل أن يبيع له مترو الأنفاق بمليون جنيه.. والحكاية لا يمكن أن تنتهى عند هذا الحد.. لأن «جحا» بعد أن درس الأحوال من حوله وأدرك أن النصب والاحتيال أصبحا علماً له أساتذة فى مجالات السياسة والتجارة والفنون.. قرر أن يلاعبهم بنفس أسلحتهم ونجح أن يبيع لهم الركاب ب 5 ملايين جنيه!ولك أن تتصور لو أن جحا قرر أن ينزل انتخابات الرئاسة.. وحسبها مثل كل المرشحين.. إذ وجد كفته راجحة طلبها وحده وإذا فشل بدأ يعيد حساباته والبحث عن اتفاق مع من اختلف معهم لكن بعد فوات الأوان ولا هو عاش فى أوهام لأن أهله وأقاربه نافقوه أكثر من اللازم فإذا ترشح اكتشف أن زوجته وعياله صوتوا عليه ومنحوا العلامة الانتخابية لغيره لأنهم يعرفون جيدا كيف أنه فشل فى إدارة بيته وكيف ينجح فى إدارة جمهورية بحجم مصر؟! ولأننى فى حالة غليان لا أعرف رأسى من ساسى ولا نافوخى من صاروخى.. أردت أن استشير جحا لعلى أجد عنده ما افتقدته هذه الأيام التى لا يعلم بلونها وطعمها إلا الله.. كل شىء نفعله نكتشف أنه خديعة وتحت منه لغم.. التعديلات الدستورية «خابور مغرى».. والانتخابات البرلمانية أشبه بلعبة الاستغماية.. والانتخابات الرئاسية هى أقرب إلى لعبة «نطة الانجليز».. والدستور وجمعيته «صابونة» يتزحلق بسببها الكل.. ولا نستطيع الوقوف أمامها أو بالقرب منها. المجلس العسكرى سواء عن قلة خبرة سياسية أو دهاء لعبها فى الاتجاه القديم.. فإذا خرج قانون العزل السياسى.. وجدناه على أرض الواقع «عزل إلا حتة» طبقناه على سليمان وأبعدناه عن شفيق. ومن كان يتوارى خجلا لأنه من الفلول أصبح يتباهى بها ويعلنها على الملأ.. وقد قرأنا على لسان السيد الغول البرلمانى الذى أكلت منه القبة ألف حتة وحتة يقول بالفم المليان: أنا فلول ولا فخر.. يادى الخيبة.. ومحاكمات مبارك اتضح أنها فيلم مقاولات فيه كل مواصفات السينما لكنه أبعد ما يكون عن الأفلام الحقيقية.. واتضح أنها أيضاً «محاكمة على ما تفرج».. ولأن المستشار أحمد رفعت استشعر الحرج استهل الحكم بكلمته الثورية التى وصف فيها عصر مبارك بالظلمات وخيبة الأمل والاستبداد فإذا ما وصلنا إلى الحكم نفسه وجدناه عيارا طائشا لا يصيب، ولكنه يحدث ضجيجا ودوشة وكفى.. لا أحنا تركناها ثورية يصطف أمامها رموز النظام ورجاله بما أجرموا وسلبوا ونهبوا وأهانوا البلاد والعباد.. ولا جاءت محكمة مدنية طبيعية يتم بناء عليها استعادة المال المنهوب كما أفتى بذلك خبراء القانون. وأنا راضى ضميرك إذا ما أخبرتنى عن شىء واحد بعد الثورة فعلناه بما يرضى الله والشعب والغلابة الذين وجدوا أنفسهم أشبه بالكرة بين أقدام كباتن السياسة.. منحت مبارك الذى غير الفانلات ومراكز بعض اللاعبين واحتفظ بأسلوب اللعب كما هو.. وفريق الثورة الذى جاء يكحلها فعميت على يديه ولم يحصد إلا تلك المليونات التى بدأ بريقها يخبو.. ومفعولها ينتهى.. لا اتفق أهل الثورة مع بعضهم البعض على أولويات المرحلة.. ولا اعتصموا بحبلها.. لكن تفرقت بهم السبل والمصالح.. أعجبتهم أضواء السلطة وأبهة الشهرة وهذا الحضور البالغ فى كل مشهد.. وهناك من يحرك الخيوط من الخارج.. وأيضاً من يلعب بها من الداخل. قالوا علينا بالانتخابات وقلنا ماشى ولتكن متحضرة.. ثم تمردنا عليها لأنها لم تخرج على هوانا يكلمك المرشح الذى هو ابن النظام القديم عن بابه وعقله المفتوح للجميع.. وبعد ساعات نجد أن أبوابه كلها قد أغلقت وأن اتهاماته للإخوان قد بلغت أقصاها بمعدل 20 تهمة فى الصفحة من نوعية «شتيمة 95» صديقة البيئة. ويخاطبنا منافسه على أن الثورة على المحك وياويلنا إذا تركناها تموت وتندثر وإذا طلبنا منه أن يتنازل قليلا حتى لا يستأثر هو وجماعته بالشيلة كلها هيلا بيلا لف ودار وناور يريدون أصواتنا الآن وبعدها نكتشف أننا مثل عبد الحليم حافظ مسكنا الهوا بأيدينا. وفى غياب دستور ينظم العلاقة بين حاكم هو على الأبواب وبين محكوم يكلم نفسه وهو يستجير من «النظامى».. «بالكلامى» ويتلاعب به الجميع حتى كفر بالكل وضاق بهم لأن لقمة عيشه فى مهب الريح. الرئيس القادم سيقسم على ماذا؟.. ما هى صلاحياته وسلطاته إلا أن يقبض عليها ويسخرها لهواه وتحيط بها بطانته وتحميه عصابته.. وتعود مجدداً إلى عهد قديم تجددت فيه الأسماء فقط والأفعال كما هى.. والأقوال أيضاً وكله فى «الكلاتش». المواطن الغلبان الذى يشغله «المم» وإطعام الأفواه الجائعة فى بيته أصبحت رأسه مثل المروحة تدور لتضع الهواء والطراوة لغيرها.. كلهم يغازلونه أرباب النظام.. وأهل الثورة من أحزاب وائتلافات وحركات واتجاهات وتجمعات والمجلس الذى هو عسكرى. كلهم استفادوا منه وينظرون إليه رقما فى حساباتهم وهو الوحيد المطحون بين رحاهم.. لا نظام ظل على حاله.. ولا ثورة غيرت وبدلت وأسعدت عياله. «قرطسنى شكرًا» هذا هو شعار المرحلة.. فكل الطرق تؤدى إلى «القرطسة».. والتيارات والقوى السياسية على اختلافها مثل «الهبلة» التى وضعوا فى يدها «طبلة».. مكاسبها ومصالحها قبل كل شىء وبعد كل شىء. إن كان المجلس العسكرى صادقا يؤجل أداء اليمين للرئيس القادم حتى ينتهى الدستور.. وإن كان البرلمان صادقا يترك الجمعية التأسيسية لسائر القوى ويأخذ حصته مثلها ولا يسيطر أو يهيمن. وإن كان شفيق صادقا يكتب تعهدا بأنه لن يعيد إنتاج النظام وإلا انقلب عليه الثوار.. وإن كان مرسى صادقاً يوقع على التعهدات التى تم طرحها عليه.. وإن كانت القوى الثورية صادقة وعلى قلب رجل واحد وميدان واحد يكفى أن تظل ساهرة لكى يعرف الرئيس القادم حتى ولو كان «هتلر» أنه يلعب وحده وأن الميدان له بالمرصاد إذا أجاد أهلا وسهلا وعلى العين والراس وإذا تنمرد.. فإن الطريق إلى «طرة» ليس ببعيد.. وليعلم مقدما أن ما جرى مع مبارك لن يتكرر أو يعاد لأن الشعب المسكين الغلبان لم يعد قفاه يتحمل لسعات جديدة.. وأن من يتطاول عليه.. أو يتفرعن سيرى مالا يخطر له على بال.. ويامن بلغت بكم الظنون بهذا الشعب لعلكم استوعبتم الدرس جيداً. اللهم انشر علينا غيثك وبركتك ورزقك ولا تقايسنا بأعمالنا واسقنا سقيا نافحة مروية معشبة تنبت بها ما قد فات وتحيى بها ما قد مات اللهم إنا خرجنا إليك نشكو ما لا يخفى عليك حين ألجأتنا المضايق الوعرة.. وأعيتنا المطالب المتعسرة.. وتلاحمت علينا الفتن المستعصية اللهم إنا نسألك ألا تردنا خائبين ولا تقبلنا واجمين!