تجميد اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل أثار الكثير من المخاوف فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين لدرجة أن هناك من يرون أن هذه خطوة أولى نحو إلغاء اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام. لكنه يجب أن نذكَّر هنا بأن الشركتين المصرية والإسرائيلية نشبت بينهما بعض الخلافات منذ عدة أشهر، فالجانب الإسرائيلى يدَّعى بأن مصر لم تف بالتزاماتها فى إمداد الغاز مما تسبب فى حدوث أضرار كبيرة فى حين يقول الجانب المصرى أن الإسرائيليين هم الذين لم يفوا بالتزماتهم ولم يدفعوا ما عليهم. وهذه الخلافات مطروحة للتحكيم منذ شهر أكتوبر الماضى ولم يتم البت فيها حتى الآن. وقد أكدت ذلك صحيفة هآرتس الإسرائيلية عندما كتبت بأنه لولا العلاقة السياسية الحساسة بين البلدين، لكانت النظرة الإسرائيلية للقرار المصرى بوقف ضخ الغاز نظرة تجارية خالصة،وخلافا بين شركتين مثل الذى يحدث بين الشركات الإسرائيلية والشركات التركية أو الصينية أو الهندية. لكن حساسية الموقف والعلاقة من جانب وتحول اتفاقية الغاز لتصبح أحد أسباب الانتقاد العنيف للرئيس السابق مبارك ونظامه من جانب آخر، فى الوقت الذى تؤكد فيه غالبية الأحزاب والحركات السياسية المصرية التزامها بالاتفاقية الموقعة مع إسرائيل - كل هذه الأمور أضفت على اتفاقية الغاز أهمية تفوق أهميتها الاقتصادية. ومن غير الممكن بطبيعة الحال أن يتم إلغاء الاتفاقية دون التشاور والحصول على موافقة المجلس العسكرى الذى يدير شئون البلاد. ومن الواضح أن المجلس يدرك جيدا مغزى الإقدام على اتخاذ مثل هذا القرار ورمزيته فى كل ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. وفى نفس الصحيفة كتب تسفى برئيل، محرر شئون الشرق الأوسط يقول:الطبيعة الإسرائيلية حولت الغاز من مادة عديمة اللون والرائحة إلى رمز.. إلى أساس من أسس النهضة الحديثة.فالغاز الإسرائيلى هو رمز الاستقلال «استقلال الطاقة» على حد قول رئيس الوزراء، نتنياهو . لم يكن الغاز أبدا فى أى وقت من الأوقات يحظى بمثل هذه المكانة التى يحظى بها الآن. وفى هذا الأسبوع حظى الغاز بدور تاريخى أيضا.. فقد تم تعيينه الحارس الأخير الذى يحرس السلام مع مصر. أنبوب الغاز الذى منحنا قبل عام الكهرباء الرخيصة والذى أغنى وأثرى المستثمرين فيه، أصبح رغما عنا رمزا لعملية تاريخية.. للسقالة الأخيرة التى تستند عليها اتفاقات كامب ديفيد. لكن كطبيعة الأشياء التى تعمل بالغاز، فإن هذا الرمز هدَّد بالتطاير. إن الإسراع فى عرض قرار الشركة المصرية بإلغاء إتفاقية الغاز على أنه (موضوع تجارى) وليس سياسياً هو أكبر دليل على أن المقصود هو موضوع سياسى من الدرجة الأولى. ومثلما هو الحال فى إسرائيل أصبح أنبوب الغاز فى مصر رمزا أيضا.. رمزاً للتطبيع الكريه مع دولة محتلة..رمز لفساد نظام مبارك، والذى حصل أبناؤه حسب الاتهامات الموجهة إليهم على عمولات بنسبة 2.5% - 5% من إجمالى صفقة المليارات.. رمزاً للتخلى عن مصالح الشعب المصرى، الذى يدفع ثمنا باهظا فى الغاز الذى هو فى حاجة إليه. وهكذا تبنَّت الثورة الشعبية لتغيير نظام الحكم أنبوب الغاز كرمز للعار القومى وأصبحت المعادلة الآن أن الإسرائيليين يقولون (إذا لم يكن هناك غاز مصرى فلا سلام فى حين يقول المصريون (إذا تم تزويد إسرائيل بالغاز فلا كرامة وطنية)! ويضيف الكاتب: إن علاقة مصر مع إسرائيل لم تعتمد على البترول أو الغاز، ولكنها بدأت فى التطور فقط بعد أن استعادت مصر كرامتها فى حرب أكتوبر 1973. ومن ناحية أخرى وفى صحيفة يديعوت أحرونوت ادعى الدكتور آدم رويتر، رئيس مجلس إدارة شركة رويتر ميدان للاستثمار أن احتمال توقف ضخ الغاز من مصر كنتيجة لأسباب جيوسياسية، كان مطروحا على الطاولة حتى فترة توقيع الاتفاقيات بين شركة الكهرباء الإسرائيلية ومصر عام 2005. والذين استثمروا فى أسهم شركة إمبال، وهى الشركة الإسرائيلية المشاركة مع شركة شرق المتوسط EMG المصرية صاحبة الامتياز، وضعوا فى اعتبارهم هذا الأمر. وفى أوساط المخابرات فى إسرائيل نظروا إلى هذا الأمر ك (موت معروف مسبقا) خاصة بعد سقوط مبارك. وقال الخبير الإسرائيلى إن المصريين اختلطت عندهم الحسابات الاقتصادية بالسياسية، فالربحية التى حققوها العام الماضى من ضخ الغاز لم تكن كبيرة نتيجة اضطرارهم المرة تلو الأخرى لإصلاح الأضرار الناجمة عن تفجير أنابيب الغاز وبتكلفة كبيرة. وحقيقة أنه بعد 14 تفجياًر الأنابيب الغاز وتوقف الضخ لأسابيع وشهور وعدم قيام إسرائيل بدفع مقابل لغاز لم تستلمه دعمت فكرة انعدام الجدوى الاقتصادية، بمعنى أنه بالتحليل الاقتصادى البارد اتضح للمصريين أن الموضوع بمحمله غير جدوى. ويضيف الخبير الإسرائيلى إلى ذلك اكتشاف خزانات الغاز وعلى نطاق واسع على الشواطئ الإسرائيلية وشركة (تامار) الإسرائيلية وحقيقة أن هذا الغاز سوف يبدأ فى التدفق إلى إسرائيل خلال أقل من عام. كما وضعوا فى اعتبارهم أيضا أن إسرائيل سوف تحصل فى القريب العاجل على مصادر غاز مضمونة أكثر. وتساءل الخبير الإسرائيلى فى النهاية لمن سيبيع المصريون غازهم الآن؟ ويرد بأن اسرائيل ربما كانت المشترى الوحيد للغاز المصرى ، بخلاف مبيعات الغاز بمعدل منخفض إلى الأردن.. وانطلاقاً من هذه الحقيقة كما يقول يزعم بأن المنطق قد غاب عن صاحب قرار وقف ضخ الغاز. أما صحيفة (جلوبس) الاقتصادية الإسرائيلية فقد تناولت الخسائر والأضرار التى ستعود على اسرائيل من جراء قرار وقف الغاز وقالت ان انتاج الكهرباء من السولار بدلاً الطبيعى كلف الاقتصاد الإسرائيلى ما يقرب من 10 ملايين شيكل فى اليوم الواحد بالمتوسط خلال الصيف الماضى وذلك وفقاً لبيانات وزارة البنية التحتية. وبحسب بيانات نفس الوزارة فإنه فى الأشهر الثمانية الأولى من عام 2011 زاد استهلاك السولارلتوليد الكهرباء بنسبة 103% بالمقارنة من نفس الفترة من العام السابقويرجع السبب فى ذلك إلى توقف ضخ الغاز الطبيعى المصرى إلى اسرائيل. ونذكر هنا بأنه خلال عام 2011 توقف ضخ الغاز الطبيعى إلى اسرائيل مرتين من 5 فبراير إلى 15مارس، ومن 27 أبريل إلى 10يونيو، وفى شهر يوليو تم تفجير أنابيب الغاز مرتين أخريين ليتوقف ضخ الغاز المصرىتماماً. وفى إطار تقدير الأضرار التى لحقت بإسرائيل من جراء القرار المصرى بوقف ضخ الغاز كتبت صحيفة ذى ماركر the marker الاقتصادية الإسرائيلية تقول ان الشركات الإسرائيلية بدأت فى تقدير آثار هذا التوقف على نشاطاتها، فأعلنت شركة كيمكاليم لليسرائل (كيل) بأنها تدرس ما أعلنته شركة شرق المتوسط emg من توقف ضخ الغاز والبدائل المطروحة أمامها، ويذكر أن أسهم شركة كيل سجلت انخفاضاً بقدر بنحو 2% فور الإعلان عن قرار وقف ضخ الغازوذكرت الصحيفة أن اتفاق الغاز بين اسرائيل ومصر له ثلاثة إسهامات: الأول استراتيجى وهو الحفاظ على العلاقات مع مصر وهو إسهام لا يقدر بثمن، والثانى هو إدخال عنصر المنافسة فى سوق ضخ الغاز إلى اسرائيل، بحيث لا يرتبط الاقتصاد الإسرائيلى بمورد واحد حتى وان كان اسرائيلياً. والإسهام الثالث والذى لا يقل أهمية هو ضمان ضخ الغاز فى الوقت التى تنتج فييه اسرائيل40 - 50% من طاقتها الكهربية لاستخدام الغاز وفى الوقت الذى ينتقل فيه الكثير من المصانع الكبرى إلى استخدام الغاز، فإن الحاجة لضمان ضخ الغاز إلى اسرائيل تزداد يوماً بعد يوم ولهذهالأسباب فإن قرار وقف ضخ الغاز لإسرائيل هو قرار مؤلم للغاية وسوف يترتب عليه حدوث مشكلة كبيرة فى الطاقة تضطرها للبحث عن بدائل بصفة خاصة لتوليد الكهرباء. وأضافت الصحيفة أن اسرائيل يمكنها أن تستبدل الغاز بالسولار والمازوت.لكن هذا البديل باهظ الثمن وضار جداً بالبيئة ويمكن لإسرائيل أن تزيد من استخدام الفحم فى توليد الكهرباء، لكنه بديل باهظ الثمن وملوث للبيئة أيضاً وإن كان أقل تلوثاً من البديل السابق.وتؤكد الصحفية بأن اسرائيل يمكنها الاستفادة من الوقت وتبادر بتطوير مخزونها من الغاز (خزان نوعاه) وهو خزان صغير كان يسهل تطويره وكمية الغاز الموجود به يمكن ان تكفى الاستهلاك لسنة أو سنتين، بالاضافة إلى خزان تامارالذى لم يبدأ إنتاجه حتى اليوم وكل البدائل المطروحة أمام اسرائيل هى بدائل باهظة الثمن وغير مربحة.. وكل هذه البدائل تضع اسرائيل أمام محتكر واحد وهو شركة الغاز الإسرائيلية وبئر تامار للغاز وهذا الاحتكار للسوق الإسرائيلى سينتج عنه بالتأكيدزيادة فى أسعار الغاز الإسرائيلى وهو ما ينعكس بالتالى على المواطن الإسرائيلى مستهلك الكهرباء.