يخلط كثيرون بين قصة الأخوة كرامازوف للأديب الروسى الشهير ديستوفيسكى وبين قصة الأخوة الأعداء للأديب اليونانى نيكوس كازنتزاكس.. السبب أن السينما المصرية قدمت القصة الأولى (كرامازوف) بعنوان الأخوة الأعداء فصارت الأشهر والأكثر التصاقا بالذاكرة.. الأخوة الأعداء الأصلية على أية حال تحكى قصة الحرب الأهلية التى شهدتها اليونان فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية.. والتى دار الصراع فيها بين الجيش الحكومى اليونانى المدعوم من جانب بريطانيا وأمريكا وجيش اليونان الديمقراطى.. وهو الجناح العسكرى للحزب الشيوعى اليونانى المدعوم من بلغاريا ويوغوسلافيا وألبانيا.. وكانت هذه الحرب فى الأساس نتيجة الصراع بين أبناء الوطن الواحد.. اليساريين واليمينيين.. ليس هناك وجه شبه بين مصر واليونان ومع ذلك يطرح السؤال نفسه: هل نسير فى نفس الطريق الذى سار فيه أخوة اليونان.. الأعداء؟!.. الأخوة الأعداء فى مصر ينقسمون إلى فريقين أساسيين.. فريق الإسلام السياسى وفريق الليبراليين وهو فريق يضم العديد من التيارات التى يجمعها فى النهاية الخوف من سيطرة الإسلاميين.. والحقيقة أن الصراع بين الفريقين بدأ مبكرا.. بدأ منذ أن أعلن المجلس العسكرى عن ترتيبات المرحلة الانتقالية بما تضمه من إجراءات وعمليات انتخابية.. ويرجع السبب الأساسى فى عداء الفريقين إلى رأى كل فريق فى الآخر!.. الليبراليون يرون أن تيار الإسلام السياسى وخاصة الإخوان المسلمين خانوا الثورة والتفوا حول أهدافها وتفرغوا للاستيلاء على السلطة.. وأنهم تحالفوا فى ذلك مع المجلس العسكرى.. فى نفس الوقت يرى الإخوان المسلمين أن الليبراليين يحاولون السيطرة على مقاليد الأمور رغم أنهم أقلية وليسوا أغلبية.. وأنهم يسعون إلى الحصول على جزء كبير من كعكة السلطة بغض النظر عن المصلحة العامة.. وأنهم يسعون للصدام مع الجيش لتحقيق مصالحهم.. ويؤكد الليبراليون أن الإخوان نكثوا كل وعودهم.. وبعد أن كانوا يرفعون شعار المشاركة لا المغالبة.. أصبحوا يسعون بمنتهى النهم للاستيلاء على السلطة بالكامل.. مجلسى الشعب والشورى.. الحكومة.. الانفراد بوضع الدستور.. وأخيراً رئاسة الجمهورية.. وهكذا تحول رفقاء الأمس إلى أعداء اليوم وبعد أن كان الليبراليون يهتفون بسقوط النظام ومن بعده حكم العسكر أصبحوا يهتفون بسقوط الإخوان والمرشد!.. لكن الإخوان والمرشد منشغلون بصراع أخطر مع المجلس العسكرى!.. على الرغم من أن لجنة تأسيس الدستور كانت الميدان الرئيسى لصراع الأخوة الأعداء.. الليبراليين والإخوان.. ورغم أن القوى السياسية المختلفة انحازت إلى جانب الليبراليين فى معركتهم مع الإخوان حول لجنة إعداد الدستور.. إلا أن الصراع الذى وجد الإخوان أنفسهم غارقين فيه هو صراعهم مع المجلس العسكرى.. الخلاف بين الإخوان والمجلس العسكرى بدأ بمحاولة البرلمان الذى يسيطر عليه الإخوان.. سحب الثقة من الحكومة.. لا أحد يعرف بالضبط لماذا سار الإخوان فى هذا الطريق؟.. لماذا انقلبوا على حكومة الجنزورى؟.. هل لأنهم أخفقوا فى السيطرة على أداء البرلمان فأرادوا تحسين صورتهم؟.. هل لأنهم أرادوا اختبار نوايا المجلس العسكرى تجاههم؟.. هل لأنهم وكما يتهمهم الليبراليون يسعون للاستيلاء على الكعكة بكاملها؟!.. المهم أن الصراع يدور الآن بين الإخوان والمجلس العسكرى.. وقد اشتعل هذا الصراع فى أعقاب ترشح اللواء عمر سليمان.. وليس خافيا أن كل ما يدور الآن من محاولات سواء داخل البرلمان أو خارجه لتكسير عظام عمر سليمان.. هى محاولات يقف وراءها ويحركها الإخوان.. وليس فى استطاعة أحد أن يتكهن بنتائج هذا الصراع.. وهل سينتهى بسلام أم أنه سيتطور إلى مراحل خطيرة قد تغير من ترتيبات المرحلة القادمة؟!.. ليس فى استطاعة أحد أن يتكهن إن كان العقل وإن كانت الحكمة سيتغلبان على الحماقة أم ستكون الغلبة لها.. الحماقة؟!.. فى كل الأحوال سينتهى هذا الصراع خاصة وأن المجلس العسكرى سيرحل فى نهاية المطاف.. لكن المشكلة فى الصراع الذى لن ينتهى.. صراع الأخوة الأعداء.. الليبراليين والإسلاميين!.. لأسباب مختلفة دخل الليبراليون فى صراع مبكر مع المجلس العسكرى.. لكن هل يعنى ذلك أن ينحاز الليبراليون إلى الإخوان فى صراعهم مع المجلس العسكرى؟!.. الليبراليون على خلاف شديد مع المجلس العسكرى ويطالبون بسقوطه ورحيله لأنهم يتصورون أنه السبب فى عدم فوزهم فى الانتخابات التشريعية.. ومن ثم فإنهم يتصورون أنه - المجلس العسكرى - انحاز إلى التيار الإسلامى أو الإخوان على وجه التحديد.. ومن المنطق أن ينضموا للإخوان فى صراعهم مع المجلس العسكرى.. لكنهم فى الحقيقة يدركون أن انتصار الإخوان فى الصراع الدائر مع المجلس العسكرى الآن.. سيتيح لهم الانفراد بالسلطة تماما.. وربما لهذا السبب تحديدا رفضت العديد من القوى السياسية الليبرالية ومن ائتلافات شباب الثورة مشاركة الإخوان فى المليونية التى دعوا إليها لمواجهة ترشح اللواء عمر سليمان.. ونلمس المعنى من تصريحات الأخوة الأعداء.. الإخوان تعلن أنها ستشارك مع جميع القوى السياسية والأحزاب والائتلافات فى مليونية حماية الثورة.. استجابة للمطالب الشعبية وضد محاولات فلول النظام السابق إعادة النظام البائد والانقضاض على الثورة والعودة لما قبل 25 يناير.. فى المقابل تعلن قوى شبابية وحركات سياسية رفضها المشاركة فى مليونية حماية الثورة.. ليس لأنهم يؤيدون اللواء عمر سليمان وإنما لأنهم يعتبرون المليونية صراعا بين الإخوان والمجلس العسكرى وليس لها علاقة بمطالب الثورة أو مطالب الشعب.. وتسمع منهم تصريحات تؤكد موقفهم.. الإخوان المسلمين مثلما خالفوا وعدهم مع الشعب وشباب الثورة قبل انتخابات مجلس الشعب.. خالفوا أيضاً وعدهم مع المجلس العسكرى.. تصريح آخر يقول إن نزول الإخوان الآن إلى الميدان غير منطقى بعد أن رفضوا النزول فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وتهكموا على شباب الثورة وهاجموهم واليوم يطلبون دعم الميدان من أجل مطالبهم الخاصة.. فقط!.. ليس مستبعدا أن يسير الأخوة الأعداء فى مصر فى نفس الطريق الذى سار فيه من قبل الأخوة الأعداء فى اليونان!.. ليس لتشابه الظروف بين مصر واليونان ولكن لأن غياب العقل وتوارى الحكمة والاندفاع وراء المصالح الخاصة.. كل ذلك يقودنا إلى نفس الطريق!..