قد يكون من المفيد أن أؤكد منذ البداية أن هذا المقال لا يتعلق بشخص فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى بقدر ما يتعلق بقضية وطن يتعرض الآن لحملة شرسة بعد إحباط أخطر مخطط كانت تتعرض له البلاد، فيما عُرف بقضية التمويل الأجنبى لمؤسسات المجتمع المدنى.. ودور الوزيرة فى هذه القضية هو نتاج جهدها بالطبع ومعه جهود جيش ضخم من المخلصين لهذا البلد من مختلف الأجهزة السيادية والأمنية فى البلاد، والتى نجحت فى رصد كل ملامح المخطط والمشاركين فيه من الأمريكيين وغير الأمريكيين ولم تتردد فى إحالة الأمر برمته للقضاء ليقول كلمته.. والحقيقة أن قضية الأمريكيين الذين تم ترحيلهم على طائرة عسكرية، كانت قضية مركبة متعددة الجوانب.. فهى قضية تخابر، وتخريب وإشاعة الفوضى فى الدولة لإرباكها.. وتركيعها وإضعافها.. وأن الوزيرة عندما اعترضت على تخصيص جزء من المعونة الأمريكية لتمويل بعض منظمات المجتمع المدنى، من وراء ظهر الحكومة، أغلقت بذلك «حنفية» تمويل عمليات تخريب لمنشآت البلاد، وإثارة الفوضى والقلاقل، وضرب أعمدة الدولة الأساسية.. فالمخربون، وهذا هو اللفظ الأدق للتعبير عن الأشخاص الذين كانوا يتلقون تمويلاً مشبوهاً من أمريكا، تلقوا فى 4 شهور فقط فى الفترة من فبراير وحتى شهر يونيو من العام الماضى 150 مليون دولار، أنفقوا منها 140 مليون دولار، أى حوالى ثلاثة أرباع المليار جنيه، وقاموا بتأجير شقة فى شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر مخصصة فقط للتدريب على استخدام وتركيب الأسلحة. كما أنفقوا جزءاً منها على تجهيز خيام بميدان التحرير لزوم إدارة الفوضى وإثارة الشارع تحت دعاوى ومسميات مختلفة.. وهذه الخيام كانت مكيفة ومجهزة بأحدث وسائل الاتصال بالأقمار الصناعية بالإضافة لخدمات الإنترنت وغيرها.. ولأن الشىء بالشىء يذكر.. دعونا نتساءل ببساطة: لماذا لم يشهد الشارع المصرى حوادث دموية من عينة حوادث مجلس الوزراء وإحراق المجمع العلمى وشارع محمد محمود وماسبيرو منذ أن تم ترحيل الأمريكيين أعضاء المنظمات المشبوهة، وبدء التحقيق مع أعضاء المنظمات الأخرى التى تتعامل معها..؟! أليس هذا هو الطرف الثالث أو اللهو الخفى الذى يبحث عنه الجميع؟! إن الحملة الشرسة التى تشنها بعض الدوائر الأمريكية والتى تطالب برأس الوزيرة فايزة أبوالنجا وإقالتها من منصبها هى رد فعل طبيعى على ما قامت به الوزيرة من إحباط المخطط الأمريكى، والذى تم العمل والإعداد له لسنوات طويلة، ولم يكن يستهدف مصر وحدها، بل كان يستهدف عدة دول عربية.. والشواهد عديدة.. فبعد فترة قصيرة من كشف مصر لأبعاد المخطط الذى يستهدف أمنها واستقرارها ومداهمة مكاتب المعهدين الجمهورى والديمقراطى الأمريكى ومؤسسة فريدوم هاوس وغيرها ومصادرة معداتها ووثائقها.. قامت الإمارات بنفس الخطوة ضد المعهدين، وكذلك البحرين وتم طرد المسئولين فيهما بعد اتهامهم بمحاولة التخريب والتدخل فى الشئون الداخلية لكلا البلدين، والعمل بدون ترخيص.. وليس سراً أن البحرين أحد الحلفاء المتميزين للولايات المتحدةالأمريكية وليس أدل على ذلك من اختيارها كقاعدة للأسطول السادس الأمريكى.. وليس سراً أيضاً أن مسألة التحالف والحلفاء والصداقة والأصدقاء ليس لها محل من الإعراب فى قاموس السياسة الخارجية الأمريكية.. فأمريكا قامت بعمليات تخريب وتجسس ضد حليفتها فرنسا إبان حكم الرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران من خلال المؤسسة الوطنية للديمقراطية والتى حلت محل المخابرات الأمريكية، صورياً، فى تمويل المعهدين الديمقراطى والجمهورى وفريدوم هاوس وغيرها.. وهذه المؤسسة «المشبوهة» التى ترأسها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت قامت بالعديد من أعمال التخريب والتدخل فى الشئون الداخلية للعديد من الدول وإشاعة الفوضى فيها، كما حدث فى بنما ونيكاراجوا وتشيلى وكوستاريكا وتشيكوسلوفاكيا..! وليس سراً أن المؤسسة الوطنية للديمقراطية اسمها لطيف، أليس كذلك؟ يتولى المناصب القيادية الخمسة فيها يهود متعصبون لإسرائيل، فبالإضافة إلى رئيسة المؤسسة أولبرايت هناك نائبتها ريتشيل هوروفتز، ونائبها مارك ناثانسون، ويوجين ايدنبرج مدير الشئون المالية، وكينيث وولاك، وهناك 24 عضواً آخرون فى مجلس الإدارة نصفهم من اليهود الصهاينة.. والطريف أن بعض المحللين الأمريكيين يصورون الخلاف المصرى - الأمريكى حول تمويل منظمات المجتمع المدنى على أنه خلاف تاريخى «حريمى»، إن جاز لى التعبير، بين الوزيرة فايزة أبوالنجا من جهة، ومادلين أولبرايت من جهة أخرى.. معتبرين أن هناك «تار بايت» بين السيدتين..!! ويشيرون - للتدليل على ذلك - إلى صراع السيدتين إبان فترة حكم الرئيس بيل كلينتون.. فقد كانت الوزيرة أبوالنجا مستشارة للدكتور بطرس بطرس غالى أمين عام الأممالمتحدة فى ذلك الوقت، وكانت أولبرايت وزيرة للخارجية الأمريكية، وكانت من أشد المعارضين للتجديد لغالى لفترة ثانية كأمين عام للأمم المتحدة، مما دفع أمريكا لاستخدام الفيتو فى الوقت الذى صوّت فيه باقى أعضاء مجلس الأمن للتجديد لغالى.. ولا أعتقد أبداً أنه يمكن التعامل مع مثل هذا الطرح «الحريمى» للأزمة المصرية الأمريكية إلا فى إطار هزلى، لأنه لا يمكن أبداً لوزيرة وطنية محترمة بقيمة وقامة فايزة أبوالنجا أن تخوض مثل هذه المعركة المصيرية مع أكبر دولة فى العالم لخلافها التاريخى مع أولبرايت.. وبالتالى لا يمكننا التعامل مع ذلك إلا باعتباره نكتة لا تختلف كثيراً عن النكت بتاعة اليومين دول..! مرة أخرى أؤكد أننى لا أكتب دفاعاً عن الوزيرة أبوالنجا فى مواجهة الإدارة الأمريكية، لكننى أكتب عن قضية وطن يواجه حملة شرسة من الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء لتركيعه وتقسيمه وتحويله إلى جمهورية من جمهوريات الموز تأتمر بأمر أمريكا، وتسبح بحمدها آناء الليل وأطراف النهار، وهو ما لن يحدث أبداً ولو كره الكارهون..!!