إن خبراء السينما يقولون إن جو بلادنا صحو على مدار السنة والطبيعة فى بلادنا من أجمل الأجواء التى تصلح للتصوير السينمائى.. وتاريخنا الطويل حافل بالقصص والمكالمات.. ومع ذلك يظل السؤال الخالد يتردد على كل لسان.. لماذا هرب المنتجون الأجانب من بلادنا؟ ولماذا كسبت إيطاليا وأسبانيا وإسرائيل ألوف الجنيهات من إنتاج أفلام أجنبية فى أراضيها؟ عشرات المنتجين جاءوا إلى الجمهورية العربية المتحدة وفى ذهنهم تطن الدعايات التى تقوم بها فى الخارج.. من الفراعنة والنيل والصحراء والآثار ولكنهم يصطدمون هنا بالعقليات الرجعية والعقبات الروتينية. والأمثلة كثيرة د. سكوراس ملك السينما الأمريكية جاء إلى القاهرة وفى ذهنه إنتاج خمسة أفلام دفعة واحدة فى جمهوريتنا، أولها فيلم «كيلوباترا» ولكنه عدل تماماً عن هذه الفكرة من أول تجربة له فى بلادنا.. فعندما أحضر سكوراس معه آلات التصوير والمعدات الفنية فوجئ بالمسئولين فى ميناء الإسكندرية يطالبونه بتأمين على هذه الآلات ورسوم جمركية ورسوم استيراد بلغت المليون جنيه، وعبثاً حاول إفهام المسئولين فى الجمرك بأنه سيعود بهذه الآلات مرة أخرى إلى هوليوود.. ولكنهم رفضوا وعرض عليهم أن يتنازل عن هذه المعدات لمؤسسة دعم السينما بعد التصوير ولكنهم رفضوا.. واضطر فى النهاية إلى شحن معظم هذه الآلات إلى الخارج.. ومن جانب آخر لقد رفضت بعض الهيئات إعطاء تصاريح فى بعض الأماكن المهمة التى تعتبر أساسية بالنسبة لقصة الفيلم فاضطر إلى حذفها، وعندما أراد سكوراس شحن الملابس التى صنعها فى القاهرة ليرتديها الممثلون فى بدء التصوير فى روما.. رفضت إدارة النقد وبعد ستة أسابيع وافقت.. والنتيجة لقد خسرت خزانة الدولة 25 مليون دولار من العملة الصعبة.. وخسر السينمائيون الخبرة الفنية التى كانوا سيستفيدون منها نتيجة احتكاكهم بالفنيين الأمريكيين، وخسرت استديوهاتنا المعدات التى كان سكوراس سيتنازل عنها. وأيضاً فيلم «ابن سبارتكوس» الإيطالى.. أحضر منتج الفيلم الآلات وحدد أماكن التصوير..وحدد موعد البدء.. على أن يصل الممثلون والفنيون فى نفس الموعد ولكنه تلقى برقية عاجلة من روما تقول إن سفارتنا هناك طلبت مهلة شهر لحين التأكد من بعض الإجراءات اللازمة لإعطائهم تأشيرة الدخول وخسرت الشركة ألوف الجنيهات بسبب هذا التعطيل. والغريب أننا دولة قد مارست العمل السينمائى قبل إيطاليا وأسبانيا ويوغوسلافيا وإسرائيل إلا أن هذه البلاد قد استطاعت عن طريق التسهيلات التى تقدمها للإنتاج الأجنبى فى بلادها أن ترتفع إلى مصاف الدول الكبيرة فى السينما العالمية. وقد أصدرت الحكومة الإيطالية قانوناً خاصاً بالإنتاج الأجنبى يحتم على كل شركة أجنبية تنتج فيلماً فى إيطاليا أن تستعين بنسبة من الفنانين المحليين مساوين لعدد فنانى الفيلم وكذلك الفنيون، ثانياً أن تترك الشركة كل المعدات والآلات التى تستعملها فى الفيلم للحكومة. وشكل القانون كذلك تسهيل كل الإمكانات اللازمة لإنتاج الفيلم. وكان نتيجة لهذا القانون أن أصبحت السينما الإيطالية ثانى سينما على مستوى العالم وأصبح عدد الأفلام التى تنتجها هوليوود فى عام 1962 (38) فيلماً بينها 22 فيلماً فى استديوهات إيطاليا تعطى للخزانة الإيطالية فعلاً 70 مليون دولار سنوياً. وحول هذا الموضوع قال السيد محمد على ناصف مدير الرقابة: نحن فعلاً نملك الإمكانات الواسعة التى تجعلنا نحتل المكانة الأولى بين الدول التى تستقبل الإنتاج الخارجى.. ولقد أنشأت منذ شهرين جهازاً جديداً تابعاً للرقابة اسمه إدارة التصوير الخارجى وسيقوم هذا الجهاز بتنسيق عملية الإنتاج الخارجى مع الجهات المختصة كالجيش ومصلحة الآثار والسفارات. ثم تابع قوله: إنه من المؤسف أن دخلنا من السياحة أقل من كندا رغم الفارق الكبير بيننا وبين كندا وكذلك الحال بالنسبة ليوغوسلافيا وإسرائيل وأسبانيا وماذا تفعل الرقابة ويد واحدة تصفق؟ وبعد.. مازال السؤال يتردد إلى متى تضيع علينا سنوياً آلاف الجنيهات من العملة الصعبة؟ وكيف نقضى على العقبات التى تعترض سبيل الإنتاج الأجنبى فى بلادنا؟