كتبت : روضة فؤاد .. لم يتوقع «بلتسار جارثون» القاضى الأشهر فى إسبانيا – والذى عرف فى العالم أجمع بمكافحته للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان - أن ينتهى مشواره القضائى نهاية مأساوية، حيث أصدرت المحكمة العليا فى مدريد حكما بحرمانه من مزاولة القضاء لمدة 11 عاما، بعد إدانته بالتنصت غير القانونى على مكالمات هاتفية لمحامين مع مساجين متهمين فى قضية فساد فى الوسط السياسى اليمينى تعود لعام 2009، وعلى الرغم من محاولة جارثون الدفاع عن نفسه قائلا إنه غير مذنب، لأن التنصت الذى أمر به قانونى، لأنه كان يعتقد أن المتهمين المحتجزين فى السجون كانوا يعطون توجيهات لمحاميهم من شأنها جعل عمليات غسيل الأموال مستمرة، وأنه كان يرغب فى منع ذلك أثناء وجود المتهمين فى الحجز، فإن المبررات التى ساقها جارثون لم تشفع له لدى قضاة المحكمة السبعة الذين أصدروا قرارهم بمنعه من مزاولة أية وظيفة أو مهمة لها علاقة بالشئون القضائية أو الحكومة داخل السلطة التنفيذية خلال فترة سريان الحكم، ولم يتوقف الأمر عند هذه المحاكمة فقط، إذ يواجه جارثون محاكمة أخرى بشأن محاولته التحقيق حول مفقودى عهد الديكتاتور الإسبانى فرانكو، حيث وجهت لجارثون فى القضية الثانية تهمة مخالفة القانون وتجاوز صلاحياته، بسبب توجيهه أوامر عام 2008 بالتحقيق فى قتل عشرات الآلاف على يد قوات مؤيدة لفرانكو، رغم صدور عفو بشأنها، ويتوقع صدور الحكم فى هذه القضية خلال أسبوع، وقد دافع جارثون عن نفسه أيضا فى هذه القضية قائلا إن أعمال القتل جرائم ضد الإنسانية ولا تخضع للعفو. وعلى الرغم من عدم إمكانية استئناف الحكم، فإن الفريق القانونى الخاص بجارثون أعلن أنهم سيتوجهون للمحكمة الدستورية أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد أثار حكم المحكمة جدلاً بين السياسيين ووسائل الإعلام والشعب الإسبانى ما بين مؤيد ومعارض، وشهدت ساحة بوبرتا ديل سول فى قلب العاصمة مدريد تظاهرة مؤيدة للقاضى، واتهامات للمحكمة العليا بالتواطؤ مع الفساد، ونقلت صحيفة «تليجراف» البريطانية عن مؤيدين لجارثون قولهم إن المحاكمتين دوافعهما سياسية لوقف جارثون عن محاكمة المسئولين عن الجرائم التى اقترفت خلال الحرب الأهلية الإسبانية، والحقبة الديكتاتورية التى أعقبتها بقيادة فرانكو، كما وصفت جماعات حقوق الإنسان هذه المحاكمات بأنها فضيحة مخزية، أما منتقدو القاضى الإسبانى فيتهمونه بأنه شخص فضولى يسارى مهووس بالترويج لنفسه، واختلفت الصحف الأسبانية فى تعاملها مع هذا الملف، فصحيفة «ألموندو» لم ترحب بالحكم، ولكنها فى نفس الوقت قالت إن جارثون ارتكب أخطاء، بينما دافعت جريدة «الباييس» عن القاضى الذى اعتبرته بطلا حقيقيا فى مواجهة الإرهاب وتدويل القضاء فى العالم ومكافحة الفساد المالى، أما صحيفة « جارديان» البريطانية فتساءلت عن مصير جارثون بعد انتهاء مشواره القضائى، وقالت إنه يمكن أن يزاول مهنة المحاماة، أو يحاضر فى الجامعات، ويمكن أن يكون له دور فى الحياة السياسية. يذكر أن جارثون البالغ من العمر 56 عاما بدأ مشواره المهنى كسياسى فى حكومة «فيليبى جونثاليت» نهاية السبعينات، ثم انتقل إلى القضاء ومنه إلى السياسة مرة أخرى، وبعدها قام بتدريس القانون فى الجامعات الأمريكية لعدة سنوات، ثم عاد هذا القاضى الاشتراكى بعدها لمزاولة القضاء، واشتهر بمكافحة الفساد والإرهاب وملاحقة الديكتاتور التشيلى بينوشيه الذى نجح فى توقيفه فى بريطانيا بإصداره أمرا بالقبض عليه، كما طارد عناصر حركة «إيتا» الانفصالية وشبكات المخدرات الناشطة فى إسبانيا.