منذ مئات السنين وظاهرة نبش وسرقة المقابر التاريخية تعتبر مشكلة عالمية، ولكن فى الصين بالذات تحولت هذه الظاهرة إلى وباء، فعصابات سرقة وتهريب الآثار تقوم بالإغارة على مواقع المقابر الأثرية وسرقة محتوياتها التى لا مثيل لها، ثم بيعها أو تهريبها خارج البلاد. وتستخدم هذه العصابات الديناميت للوصول إلى المقابر تحت الأرض، وفى أحيان أخرى تستخدم البلدوزرات وأجهزة الرؤية الليلية وأسطوانات الأكسجين للوصول إلى غرف الدفن البعيدة والعميقة فى بطن الأرض وسرعان ما تجد المكتشفات الأثرية طريقها إلى التجار وخلال أيام معدودات تجد طريقها إلى السوق الدولية. ولمواجهة هذه الظاهرة، قامت حكومة الصين مؤخراً بزيادة الميزانيات المخصصة لمكافحة ظاهرة سرقة المقابر، كما قامت بإنشاء مركز قومى للمعاومات بغرض التصدى لجرائم سرقة الآثار التاريخية للصين، وفى نفس الوقت كثفت الشرطة من نشاطاتها، لكنها بخلاف الدول الأخرى التى تكافح هذه الظاهرة تواجه تحديا كبيرا ومعقدا يتمثل فى انتشار الآثار التاريخية فى آلاف المواقع، ومعظمها معزولة وتوجد فى أماكن مهجورة لا يوجد بها سكان. يقول البروفيسور «وى جانج» أستاذ الآثار بجامعة بكين لصحيفة الجارديان البريطانية: فى الماضى كانت فى الصين قبور كثيرة، وإذا ما سُرق واحد يمكنك أن تجد قبرا آخر يشبهه، واليوم هناك قبور كثيرة تم تدميرها وعندما تتم سرقة قبر من القبور يصعب ايجاد آخر يشبهه، ويضيف زميله البروفيسور «لى شينجشان» رئيس طاقم الأثريين الذى قام بكشف وبحث أكثر من 900 مقبرة تمت سرقتها فى إقليم «شانشى»: إذا كنا نقول قبل عدة سنوات أن تسعة من كل عشرة قبور تمت سرقتها بواسطة اللصوص، فنحن اليوم نتحدث عن تسعة قبور ونصف من كل عشرة. وكان طاقم الأثريين الصينى قد قام قبل عامين بحفر مواقع قبور أثرية أخرى، أحدها يرجع تاريخه إلى ما قبل 3100 سنة فى حين يرجع تاريخ الثانى إلى ما قبل 2200 سنة، واكتشف أن الموقعين خاليان تماما بعدما وصل اللصوص إليهما. وكانت ظاهرة سرقة المقابر الأثرية فى الصين قد تفاقمت بدرجة خطيرة مع انفتاح الصين الاقتصادى على العالم، فقد زاد الطلب على الآثار الصينية وازدهرت نتيجة لذلك عمليات سرقة الآثار ونبش القبور، ويؤكد ذلك البروفيسور «وى» عندما يقول: قبل 30 عاما انتشرت فى الصين مقولة:«إن من يريد أن يصبح غنياً عليه أن يعثر على قبر من القبور الأثرية فيصبح مليونيراً بين يوم وليلة». ويتضح من بيانات وزارة الداخلية الصينية أنه فى عام 2010 تم التحقيق فى 541 حالة نبش وسرقة قبور، و387 حالة سرقة آثار، وفى الأشهر الستة الأولى من نفس العام تم القضاء على 71 عصابة، كما تم إلقاء القبض على 787 متهماً، وتم العثور على 2366 قطعة أثرية مسروقة، ونحن نتحدث عن قطرة فى بحر رغم أن عقوبة سرقة القبور فى الصين تتراوح ما بين ثلاث إلى عشر سنوات سجن، وفى حالات معينة يمكن أن تصل إلى السجن المؤبد. وحسب تقديرات رسميين صينيين فإن أكثر من 100 ألف يعملون هذه الأيام بسرقة الآثار فى كل أنحاء الصين، كما تشير التقديرات إلى قيام اللصوص بدفع مبالغ مالية للفلاحين المحليين الذين يقودونهم بدورهم إلى أماكن المقابر فى مناطق سكنهم، ثم يوفرون لهم الحماية من الشرطة بتوفير الملجأ الآمن.