قد يبدو العنوان من الوهلة الأولى غير دقيق أو مستفزا ولكننا نقصده بمعناه الواسع.. فسيناء رغم عودتها إلى مصر منذ سنوات طويلة.. تواجه وضعا خطيرا بكل المقاييس الأمنية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أيضا.وهى وسيلة ضمن أدوات كثيرة لتهديد أمن مصر ومكانتها ومستقبلها ولذا يجب ألا ننجرف الى هذه الفخاخ الخطيرة التى نصبها الأعداء.. على تنوعهم و اختلافاتهم الجوهرية.. بما فيهم إسرائيل ومن يدعون الأخوة ويزعمون أنهم أشقاء.. كل هؤلاء يريدون جر مصر الى المصيدة المصنوعة بدهاء شديد فى التوقيت والظروف التى تناسبهم.. ولا تناسبنا. بمعنى آخر فإننا يجب ألا نقع فى فخ الاستفزازت أيا كان مصدرها، بل يجب ان نحدد نحن توقيت وأسلوب وظروف مواجهة الأعداء.. وغير الأعداء. وللأسف الشديد جاء البيان الأخير للجنة الرباعية الدولية منحازا إلى إسرائيل وتجاهل حقوق مصر بل تجاهل دماء شهدائنا الذين اغتالتهم أيادى الغدر الصهيونية. ويبدو أن الرباعية قد أصيبت بشلل رباعى نتيجة الربيع العربى فلم تعد تدرك أن هناك واقعا جديدا يتشكل ويفرض نفسه على الجميع. فقواعد اللعبة قد تغيرت وإسرائيل فى أضعف حالاتها رغم ادعائها العكس. وهى لن تستطيع مواجهة طوفان المشاكل الخارجية.. وحتى مشاكلها فى غرف النوم والحمامات. نحن إذا ندعو الرباعية إلى انتهاج الموضوعية والحياد.. ونرفض أى تدخل فى سيناء أو أية قضية أخرى تخص مصر.. مع العلم يأن هناك قائمة طويلة سابقة التجهيز من مسامير جحا ولكننا سوف ندقها فى نعوش صانعيها بمشيئة الله وحتى نصل الى الهدف (تحرير سيناء). وللوصول إلى الحل يجب أن ندرك أبعاد المشكلة.. وأول محاورها إسرائيل.. أحد أكبر صناع الشر فى العالم وفى المنطقة وفى مصر أيضا وفى سيناء تحديدا. فإسرائيل استطاعت خلال فترة الاحتلال بناء علاقات قوية مع بعض الأطراف التى استفادت من وجودها وتركزت هذه العلاقات على المصالح المادية والمنافع المتبادلة.. واليهود يجيدون لعبة الإغراءات بكل الوسائل ولا ينقصهم المال وغير المال. ودخلت فى هذا الإطارتجاره المخدرات والسلاح والآثار. ونتيجة هذا نشأ واقع جديد فى سيناء.. واقع خطير زادته تطورات الأحداث الإقليمية والدولية خطورة.. ثم جاءت الثورات العربية لتتفاعل معه وتضيف إليه تعقيدات أشد وأعمق. ومع تقديرنا وحبنا لأهلنا فى سيناء إلا أننا لا نفهم طبيعتهم ولا نجيد التعامل معهم. وكما يقول رسولنا الأكرم (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم) وهذا يعنى أننا يجب أن نفهم جوهر العقلية والشخصية البدوية التى نشأت على تقاليد وقيم أصيلة.. وعلى حركة دائبة ودائمة.. هذه الحركة تنعكس على السلوك والأفكار والعلاقات، لذا جاء قرار مصر بالسماح لأهلنا فى سيناء بتملك الأراضى خطوة ممتازة ضمن خطوات عديدة لتصحيح أوضاع قديمة خاطئة. وعندما يشعر السيناوى بأن وطنه يهتم به وبمصالحه ويسعى لإعطائه المكانة اللائقة.. كما هو حق لكل أبناء مصر..عندئذ سوف يتأكد الحب والولاء والانتماء.. فالحب يأتى بالفعل وبالشواهد على أرض الواقع.. وليس بالكلام الهوائى الإنشائى!! ومن مشاكل سيناء أيضا دخول حماس على خط الأحداث. ومع تقديرنا الكامل للأخوة فى حماس ونضالهم من أجل فلسطين فقد وقعت تجاوزات منذ سيطرة حماس على قطاع غزة.. وكثيرمن هذه التجاوزات أضرت بأمن مصر القومى بدءا من الاختراق الجماعى للحدود وإنتهاء بهجمات إيلات والتى أنطلق منفذوها من قطاع غزة. ونأمل أن تكون هذه هى نهاية التجاوزات فى حق السيادة المصرية. فنحن مع نضال الفلسطينيين المشروع لبناء دولتهم. ولكن ليس على حساب مصالحنا الإستراتيجية. ومواجهة هذه الجماعات على اختلافاتها واتفاقاتها يجب أن تكون فكرية وأيديولوجية من الدرجة الأولى. فالحل لن يكون أمنيا ولا عسكريا مهما عظمت قوة الأطراف التى تواجه هذه الجماعات والتنظيمات. ولا نريد أن ندخل فى تفاصيل المواجهة الفكرية ولكن هناك أسس عقائدية وأيديولوجية يتفق عليها جميع الوطنيين والقوميين والإسلاميين.. أولها ضرورة الحفاظ على أمن البلاد والعباد. فلا يمكن أن أكون مسلما بتهديد أمن وطنى واقتصاده ومصالحه الاستراتيجية. ومع هذه الجماعات والتنظيمات المتطرفة.. تتفاعل جماعات الجريمة المنظمة التى تعمل فى تجارة الآثار والمخدرات وتهريب المتسللين وكل أنواع السلع.. حتى السيارات المسروقة والسولار والأرز المدعوم.. السلع المدعومة التى يحتاج إليها المواطن البائس.. ويسرقها من سرقت حقوقهم. والكل يعلم أن تجارة الأنفاق بين غزة ومصر تحقق مليارات الدولارات لحماس وللأطراف التى تشتغل بها رغم أن مصر فتحت معبر رفح على مصراعيه ولم تعد هناك حاجة للتهريب والتسريب.. ولكن يبدو أن إغراء المال ونقص الموارد والبطالة العالية داخل قطاع غزة جعلت هذه الأنواع من التجارة غير المشروعة والجريمة المنظمة منتعشة وشديدة الجاذبية والإغراء. وللأمانة فإن هذه الجرائم تضر بالاقتصاد المصرى وتجب مواجهتها بكل الشدة والحسم.. فلا رأفة مع من يضر الشباب بالمخدرات ويهدد أرزاق العباد. *** وبعد استعراض أزمة سيناء نصل إلى روشتة تحريرها. والأمانة تقتضى أن نشيد بقرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة العليا لتنمية سيناء. وهى خطوة ممتازة كان يجب أن تشارك فيها كافة القوى الوطنية وأولها أهلنا فى سيناء.. فهم أصحاب الشأن وهم محور القضية وبيدهم حلها أيضا. ومهما عظمت جهود وأموال الحكومة فإن جهد وعرق وفكر المواطن السيناوى هو الأساس واللبنة الأولى لبناء صرح مزدهر لأرض الفيروز.. ولأرض الكنانة. يجب أن تقدم هذه الهيئة استراتيجية متكاملة لتنمية سيناء وتحريرها من مشاكلها المزمنة واستعادتها إلى حضن مصر. هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل خططا واضحة متكاملة وذات جداول زمنية دقيقة ومرنة! وإذا كنا نطالب الأجهزة الرسمية بجهد أساسى فى هذا الإطار فإننا ندعو القوى السياسية المختلفة للمشاركة بجدية وبإخلاص فى حل هذه الأزمة العميقة المتشعبة.. بدلا من الانشغال بالخلافات على الدستور والانتخابات وغيرها من التفاصيل.. يجب أن نتفق على (سيناء أولا).. وأعتقد أنه لا خلاف بيننا جميعا على هذا الهدف. وإذا كان الأمن هو محور أى تقدم فإن الاقتصاد هو قاطرة التنمية.. ونحن نعتقد أن أرض الفيروز.. حافلة بكل الكنوز.. وأولها البشر.. أحباؤنا السيناويون!