ليس ثمة أقل من كلمة العبث دلالةً على ما يفعله الإعلام عموما والإعلان خاصة، فى مصر، بلغتنا العربية، حتى ليكاد المرء يقطع بأن ثمة اتفاقا مؤكَّدا، وإن يكن غيرَ معلن، على ما يحدث. المكان والوقت لا يسمحان بالتفاصيل، يكفى هذا النموذج دليلا على هذا العبث. فى هذه الأيام يعرض على شاشات التليفزيون مسلسلٌ بعنوان (آدم)، لا أتحدث عن موضوعه ولا ممثليه ولا عن أى شئ يمتُّ إلى العمل بصلة.. إننى أتحدث فقط عن الإعلان عن هذا المسلسل الذى يحظى – مثل غيره من المسلسلات والأفلام على مختلف القنوات- بسيل جارف غير مسبوق من الإعلانات، ومرة أخرى .. لا أتحدث عن قنوات الإعلان من مرئىٍّ ومسموع ومقروء.. بل لا أتحدث عن الإعلان كاملا، إننى أتحدث فقط عن الطريقة التى كتبت بها كلمة (آدم) المكوّن اللغوى الوحيد فى كل الإعلانات التى صدرت عن هذا المسلسل، أتحدث عن شعورى (الذى أؤخّر وصفَه الآن) وأنا أرى بعينى المدى الذى انحدر إليه مستوى المعرفة بقواعد الإملاء والكتابة.. وأنا أرى آثار الاستهانة بكل شئ، و(الفهلوة) فى أداء كل شئ.. ثم الإمعان والإصرار على المضىّ فى هذا المنحدر المخزى.. وأرجو أن لا يعجلَ علىَّ القارئ فيتصوّر أن المسألة مجرد خطأ فى كتابة كلمة، لأن المهزلة أفدح من ذلك بكثير.. لقد وقعت عينى فى أثناء تصفحى العادى لبعض الجرائد على صور عديدة للإعلان عن هذا المسلسل.. وليس لى من تعليق على أى شئ فى الإعلان باستثناء الطريقة التى كتبت بها كلمة (آدم)، وإلاّ ملاحظة عامة لكثرة الإعلانات وكثافتها وضخامتها فى كثير من الصحف عن برامج وقنوات التليفزيون، خاصة الفضائية، وهو ما يبرر ظواهر معينة أكثرها سلبى، وأرجو أن أعود إليها فى وقت لاحق. عدد من الصحف اليومية والأسبوعية حملت الإعلانَ عن المسلسل، وهناك لوحات إعلانيّة عنه فى الشوارع الكبيرة أيضا، منها – حسب ما وقع فى يدى- : الأهرام وأخبار اليوم والمصرى اليوم واليوم السابع والفجر وصوت الأمة. كلمة (آدم) كما هو معروف تكتب من ثلاثة أحرف : الألف والدال والميم، مع وضع علامة يسمونها (مدّة) أو (علامة المدّ) فوق الألف... لا شئ آخر على الإطلاق، اللهم إلاّ أن تضع فتحة على الدال، ثم يترك ضبط الميم للحالة التى تكون عليها الكلمة إذا جاءت فى كلام مركَّب. أما فى الإعلانات المشار إليها فقد كتبت الكلمة بطرق كثيرة مهما حاولتُ وصفَها فلن يُفلح فى إطلاع القارئ عليها سوى التصوير.. الطرق جميعها تتفق فى صفة الخطأ، والخطأ فى كتابة الألف وضبطها بالذات، ثم تتفاوت بعد ذلك فى بساطة الخطأ أو كثافته. أبسط صور الخطأ هى التى نجدها على صفحة 15 من أهرام الأحد 24/7/2011 وأخبار السبت 30/7/2011 وفيها كتبت علامة المدّ على شكل (شرطة) أفقية مستقيمة [ ادم] (شكل رقم 1). يلى هذه الصورة فى الترتيب التصاعدى للخطأ ما جاء فى صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 11/7/2011 حيث كتبت كلمة (آدم) بهمزة فقط فوق الألف [أدم] هكذا. وهذه هى المرة الوحيدة – فيما صادفنى – التى كتبت بها الكلمة على هذا النحو (شكل رقم 2). الصورة الثالثة ، وفيها يجئ الخطأ مركّبا، وقد صادفتنى مرات متعددة على كل من صحيفة (الفجر) 18/4، 25/7، 1/8/2011 وصحيفة (صوت الأمة) 18/7، 25/7/2011، وقد جاء حرف الألف وفوقه الآتى : 1- علامة المدّ. 2- شدّة 3- فتحة، [هكذا آَّ ] مع ملاحظة أن ما أسميه علامة المدّ على سبيل التقريب هو شكل غريب يشبه الساطور الذى يستعمل فى تقطيع اللحوم. الصورة الرابعة، وقد وردت على صفحات اليوم السابع وأخبار اليوم والأهرام، وفيها يزداد الخطأ تعقّدًا، لقد كتبت الألف فى كلمة (آدم) وفوقها همزة ثم علامة مدّ ثم شدّة ثم فتحة. وأنا أكرر – حتى لا يظن بى القارئ السهو – كتب فوق الألف : همزة ثم علامة مدّ ثم شدّة ثم فتحة بزيادة همزة فوق الألف وتحت علامة المد!! (شكل رقم 4) وأذكر أننى شاهدت إحدى اللوحات الإعلانية فى أحد الشوارع وقد كتبت فيها الألف بنفس الطريقة. ولا يتصوّر أن يكون ما رأيته هو كل ما صدر من إعلان عن هذا المسلسل، ولا أن تكون الصحف الخمس التى وقعت أعدادها فى يدى هى كل ما حمل الإعلان عنه فى الصحف. ما هذا ؟ وما الذى يحدث؟ وما الذى يُراد؟ ومَنْ (خفيف الظلّ، الجادّ، العالمِ، المثقف !) – أقصد أضداد هذه الصفات طبعا – الذى أتحفنا بكتابة الكلمة على هذا النحو، ثم أرسلها عبر مئات الآلاف – إن لم يكن أكثر- من صفحات الصحف ليطّلع عليها من لا يعرف أنها خطأ فيتصور – وقد رآها فى الإعلان عن مسلسل مشهور- أن هذا هو الصواب، فيكون التقليد وتفشى الوباء، أقصد تفشّى الخطأ بين الملايين من أبنائنا بالمدارس والجامعات ممن أصبحوا لا يعرفون الخطأ من الصواب، فى ظل انهيار تعليمىّ لم نشهد له مثيلا من قبل، وحيث يصدق ما قاله بعض القدماء من أن الخطأ يتفشّى ويسرع فى العقول بأسرع مما تنتشر النار فى الهشيم الجاف. ومع أن الانهيار قد عمّ كل المستويات والمجالات، فإنه فى مجال اللغة العربية – تعليمها وتعلّمها – أوضح، وهو فى مجال الكتابة أكثر وضوحًا، نرى ذلك على صفحات الصحف وفى اللافتات والإعلانات وغيرها . وقد رأينا مثلا واحدا من شأنه أن يدفعنا إلى حديث يطول.. عن الغفلة والجهل وعدم احترام الإنسان لنفسه ولغته وثقافته، فضلا عن عدم الإحساس بالمسئولية. لقد رأيت .. عزيزى القارئ .. كيف أن حرفاً واحداً فى كلمة واحدة – هى كل الإعلان– قد كتبت خطأ، وأن الأخطاء قد تنوعت على مدى الصور الأربع -على الأقل- لكتابتها. لقد أطلقت كلمة آدم اسما لأول كائن إنسانى تنتسب إليه البشرية.. وليس بوسعنا أن نعرف كيف كان يمكن أن يكون شعوره لو عرف أن أبناءه لا يستطيعون أن يكتبوا اسمه بطريقة صحيحة.. أغلب الظن أنه كان سيراجع نفسه فى أبوّته لهم، وربما فى مسألة الإنجاب من الأساس.