اهتمت السينما المصرية منذ بدايتها بشخصية المعلم، وقدمته بتنويعات مختلفة على الشاشة، يغلب عليها طابع السخرية وخصوصا مدرسى اللغة العربية، وكلنا يذكر شخصية «حمام أفندى» التى جسدها عملاق الكوميديا الراحل نجيب الريحانى فى فيلم «غزل البنات»، لكن السخرية وصلت إلى حد المهزلة فى مسرحية «مدرسة المشاغبين» التى يرى الكثيرون أنها كانت سببا مباشرا فى الإساءة إلى صورة المعلم وإفساد العلاقة بين التلميذ والأستاذ..وقد أعادت الدعوى القضائية التى أقامتها نقابة المعلمين ضد مسلسل «مسيو مبروك أبو العلمين حمودة»، وطالبت فيها بوقف عرضه بسبب إساءته للمدرسين. فتح ملف صورة المعلم على الشاشة، وهو ما نناقشه بالتفصيل من خلال هذا التحقيق.. فى البداية يرى الناقد د. رفيق الصبان أن المسلسل لا يعد إساءة إلى المعلم، بل هو محاولة لإظهاركل المشاكل التى يعانى منها، ولكن بشكل كوميدى، مشيرا إلى أن طابع شخصية المدرس التى تجمع بين الجاد والهزلى يشجع المؤلفين على جمع هذه التناقضات فى دور واحد لتقديم عمل فنى قريب من الجمهور الذى يتعامل مع هذه الشخصية بكثرة فى حياته. من جانبه أكد الناقد نادر عدلى أن شخصية المدرس هى إحدى الشخصيات الثرية فى المادة الدرامية، وهو ما يغرى معظم المؤلفين بإظهارها بشكل هزلى يدعو إلى الضحك والفكاهة لأنها دائما تجد صدى فى نفوس الجماهير وتثير الضحك. وأضاف أن النقد بشكل كوميدى لشخصية المدرس لا عيب فيه، ولكن نحتاج بالفعل إلى تقديم أعمال درامية تقدر الدور الاجتماعى للمعلم بشكل أفضل. أما الناقد عصام زكريا فيرى أنه من حق أى نوع من الفنون تناول الشخصيات الموجودة فى الواقع كما هى و الابتعاد عن المثالية فى تجسيدها لأن الجمهور أصبح على درجة من الوعى تجعله يفرق بين التمثيل والواقع، لافتا إلى أن مظهر المدرس لا يهم، ومتمنيا أن يكون المدرس كما ظهر فى فيلم «غزل البنات»، بمعنى أن يهتم بعمله أياً كان مظهره. وتختار الناقدة خيرية البشلاوى فيلم «آخر الرجال المحترمين» باعتباره آخر الأفلام التى تناولت صورة المدرس بشكل إيجابي.. وقالت إنه ليس فى صالح المجتمع تقديم صورة المعلم فى الدراما بشكل كوميدى ساخر، حتى ولو كان هدف المؤلف هو جذب الجمهور، مؤكدة أن دور الدراما هو إبراز المشكلات وعلاجها، أما تقديم المدرس وهو يركب دراجة ويذهب إلى طالب ليضربه فى عقر داره، فهذا قد يؤدى الى عدم احترام المعلم. ويقول الناقد الفنى طارق الشناوى إن شخصية المدرس من الشخصيات الثرية جدا دراميا، ومع ذلك مازال بعض الكتاب يحاولون تجميدها فى شخصية هزلية تدعو للضحك والفكاهة على الرغم من تراجع هذه النوعية من المدرسين وانحسارها، فلم يعد المدرس هو ذلك الشخص رث الثياب فقير المظهر، لكن كتَّاب السيناريو يلجأون إلى تكرار تلك الصورة النمطية لأنها تجد صدى فى النفوس وتثير الضحك. أما السيناريست عمرو فهمى فيعتقد أن مسلسل «مسيو مبروك أبوالعلمين» ليس فيه تشويه لصورة المدرس، مؤكدا أن صورة المدرس فى المسلسل هى صورة من الواقع للمدرس المحب لعمله، والذى يحمل العصا للتهذيب وليس التعذيب، مطالبا بعودة المدرس صاحب الهيبة والذى يخشاه التلاميذ ويعملون له ألف حساب مرة أخرى لأن الأخلاق انعدمت والطلبة يحتاجون أحيانا إلى الشدة فى التعامل، مؤكدا رفضه للقضية التى رفعتها نقابة المعلمين، موضحا أن الأعمال الدرامية لا تتعمد تقديم صورة مشوّهة عن المدرّس أو غيره من الشخصيات الموجودة فى المجتمع، إنما يتوقف الأمر على موضوع العمل الدرامى ومواصفات الشخصية. وأضاف فهمى أن النيل من كرامة المعلم وهيبته تعدّ جريمة فى حق المجتمع ولكن المسلسل كوميدى ساخر ولم يتعمد أبدا إهانة صورة المعلم. ويقول الفنان سامح الصريطى إن صناع الدراما تعمدوا تشويه صورة المدرس فى معظم الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية أيضا، حيث اعتمدت الدراما على الإثارة والتهويل والتركيز على السلبيات لجذب الجمهور الذى يبحث عن الإثارة و التى تصورالمعلم على أنه أحمق وغير مهندم، ويظهر دائما بشكل نمطى سلبى فج، ويتعامل بالعصا، مطالبا كتاب السيناريو بالحرص عند تناول شخصية المدرس فى أعمالهم الفنية على إلقاء الضوء على دوره كناقل للثقافة وهمزة وصل بين المدرسة والمنزل، والمنوط به حل المشكلات التعليمية والمسئول عن تربية النشء وليس النظرة السطحية التى ينظر إليه بها البعض. وفى النهاية يدافع نجم الكوميديا محمد هنيدى عن مسلسله ويقول: «ذكاء المؤلف يوسف معاطى هو الذى أعاد للأذهان صورة المدرس الذى يحمل العصا، ويبذل كل جهده لتوصيل المعلومة لتلاميذه حتى ولو داخل منازلهم، وأنا أعتبر هذا النموذج إيجابيا وليس سلبيا كما يدعى البعض، لكن كون المسلسل يحمل الطابع الكوميدى يظهر «مبروك» فى شكل معين وكأنه كائن غير اجتماعى أو شخص يعيش زمنا مضى، وهذه صورة درامية ولا تعنى أبدا التقليل من قيمة المدرس أو نبل الرسالة التى يقوم بها فى المجتمع.