فى بداية القرن الماضى نزحت من الصعيد إلى الإسكندرية الأختان «ريا وسكينة» اللتان كونتا مع زوجيهما عصابة لخطف النساء وقتلهن ودفنهن فى بدروم المسكن الذى يسكنوه. وقد داخ بوليس الإسكندرية فى الوصول إلى العصابة التى اختفى بسببها عدد من النساء الضحايا وقد تم التفتيش عنها فى المقابر والمناطق البعيدة حول الإسكندرية وأخيرا تبين أن العصابة كانت أقرب إلى البوليس من أى تصور وأنها كانت تسكن وتمارس عمليات قتل الضحايا فى مسكن يقع خلف قسم شرطة اللبان مباشرة، ولم يفكر أحد من الشرطة أن تكون العصابة التى تبحث عنها محتمية فى منطقة الشرطة نفسها! نفس الشىء فعله أسامة بن لادن منذ هروبه من جبال طورا بورا فى أفغانستان والبحث عنه جارٍ فى الجبال والكهوف والمناطق المقطوعة التى يحتمل أن يكون مختفيا فيها، أما الذى لم يتصوره أحد فهو أن يسكن بن لادن ويعيش 24 قيراطاً فى مسكن حديث ومقام وسط مدينة هادئة اسمها «أبوت أباد» التى تقع فى شمال غربى باكستان على بعد 50 كم شمال العاصمة الباكستانية إسلام أباد. والمدينة لها سمعتها فى أنها أكثر المدن الباكستانية هدوءا وسكينة وتعتبر مدينة عسكرية لما بها من مؤسسات تابعة للجيش الباكستانى منها أكاديمية كاكول العسكرية الباكستانية. وقد تميز البيت الذى أقام فيه أسامة بن لادن مع زوجاته بأنه الوحيد فى المنطقة المقام من ثلاثة طوابق فى إشارة إلى ثراء من يقيم به وأن له سوراً وارتفاعه خمسة أمتار تعلوه أسلاك شائكة مما يحجب رؤية داخله عن كل الجيران الذين كانت بيوتهم من طابق واحد. *** مكالمة غامضة تكشف السر لكن ظهرت براعة أسامة بن لادن فى حبس نفسه وعدم الخروج من هذا البيت الذى تبين أنه يقيم فيه منذ عدة سنوات، وفى خلال ثمانية أشهر متواصلة خضع فيها هذا المسكن لرقابة استخدمت فيها كل الوسائل الاستخبارية الحديثة لدى أمريكا من أقمار صناعية وأجهزة رؤية بعيدة وتنصت على درجة عالية من الدقة، إلا أنهم لم ينجحوا فى التأكد من وجود بن لادن داخل المسكن أو تسجيل حوار له فقد منع على نفسه استخدام كل الوسائل التى ترسل إشارات يمكن تتبعها، ولهذا كان يستخدم عددا محددا جدا من الأشخاص الذين يقومون بمهمة المراسلة وتوصيل أوامره وقضاء طلباته وهو ما كان يتم على فترات متباعدة. وقد قادت المصادفة إلى بن لادن عن طريق واحد من هؤلاء المراسلة باكستانى اسمه «أبو أحمد الكويتى» كان الأمريكيون يبحثون عنه منذ أربع سنوات لثقتهم أنه على اتصال ب «بن لادن» إلى أن حدث أن سجلت أجهزة التنصت مكالمة بين صديق سأل محدثه: أين أنت يا أبو أحمد؟ افتقدناك. كيف حال الحياة معك؟ وماذا تفعل حاليا؟ وجاء رد أبو أحمد مبهما ولكن اشتمل على كثير من الدلالات، حيث قال: لقد عدت للناس الذين كنت معهم من قبل. صمت الرجلان، وكأن الصديق عرف أن كلمات محدثه تعنى أنه عاد إلى الدائرة المقربة من شخصية بالغة الأهمية مثل بن لادن، وقد رد الصديق قائلا: «ربنا يسهل». كانت هذه المكالمة هى الخيط الرفيع الذى تتبعته المخابرات الأمريكية واستطاعوا التوصل أولا إلى أحمد ثم بعد ذلك إلى المجمع السكنى غير التقليدى ذى الأسوار المرتفعة فى أبوت أباد، الذى كان يتردد عليه بين وقت وآخر. وكان إذا خرج منه فإنه بعد أن يبتعد عنه بنحو مائة كيلومتر يدخل بطارية الهاتف الذى يكون قد أخرجها مقدما ووضعها مع الهاتف فى السيارة ثم يبدأ فى إجراء الاتصالات. *** ثمانية أشهر مراقبة ثمانية أشهر متواصلة من شهر أغسطس من العام الماضى إلى أول مايو من العام الحالى عندما بدأت الدلائل تتجمع وتشير إلى احتمال وأقول احتمال لأن الرقابة المتواصلة والمستمرة لم تتوصل إلى رؤية قريبة للهدف. صحيح أنهم استطاعوا بالقمر الصناعى التقاط صورة رجل طويل القامة يتمشى فى حديقة البيت خلف الأسوار إلا أنهم لم يستطيعوا التقاط صورة وجهه ولذلك كان تركيز بحثهم على مقارنة قوام الرجل بما هو معروف عن بن لادن إلى أن اقتحمت القوة الأمريكية مقر هذا الرجل فى الساعة الواحدة صباح أول مايو بتوقيت باكستان، لم يكونوا متأكدين أن الشخص الذى دوخهم نحو عشرسنوات وبحثوا عنه فى الجبال والقفار والمناطق المقطوعة يسكن فى هذا البيت المميز فى تلك المنطقة المميزة قرب واحدة من أشهر مؤسسات باكستان العسكرية. Salahamont @ ahram . Org .eg