العم محمد الحديدى.. أحد النماذج المصرية المشرفة.. أخذ من الخط العربى طريقاً أوصله الطريق حتى أبواب المسجد الحرام.. ونال شرف كتابة 187 اسماً من أسماء أبواب الحرم المكى الشريف.. لم يأخذ الخط كمهنة فقط وإنما كفن أصيل ووسيلة للتعبير.. أنجز كتابة القرآن الكريم كاملاً فى 19 شهراً وذلك فى مصحف كبير الحجم يبلغ طوله متراً وعرضه 70 سنتيمتراً. ورغم سنوات عمره الذى يناهز 71 عاماً، تجده مفعماً بالحيوية والشباب وتكسو وجهه علامات الرضا على ما أنجزه حتى الآن والأمل فى إنجاز المزيد والمزيد من الأعمال المفيدة للناس.. «أكتوبر» التقت مع العم محمد الحديدى وأجرت معه الحوار التالى: * كيف قمت بكتابة أسماء أبواب المسجد الحرام؟ ** كنت أعمل خطاطاً بوكالة إعلانات بمكة المكرمة فى عام 1992 وجاءنى مهندس مصرى بشركة بن لادن يطلب منى أن أكتب نموذجاً باسم الملك عبد العزيز على أن يكون باباً من أبواب المسجد، وطلب المهندس المصرى أيضاً من خطاطين غيرى كثيرين أن يكتبوا نماذج أخرى على أن يختار إمام المسجد الحرام الدكتور عبد الرحمن السديسى نموذجاً من هذه النماذج المكتوبة، فكنت أنا سعيد الحظ لأنه قد وقع الاختيار على النموذج الذى نفذته، لأنهم رأوا أن ما قمت بكتابته هو أفضل خط يريدونه، وهنا ملأت السعادة نفسى لأننى سأنال هذا الشرف العظيم. ثم أرسلوا قائمة ب (187) لوحة وبدأت أكتب هذه اللوحات ثم يأخذها عمال نحت رخام ينحتون ويحددون ما كتبت على لوحات رخامية ارتفاعها 40 سم وطولها 60 سم وكان يساعدنى وقتها أحد الخطاطين المصريين هو حسن عيسوى وهو فنان عبقرى مبدع يرسم البورتريه والكاريكاتير بشكل دقيق، واستطعنا نحن فريق العمل أن نسلم 50 لوحة رخامية كل أسبوع ليتم تعليقها على جدران المسجد الحرام فأنا مازلت أتذكر معظم أسماء هذه الأبواب مثل باب السلام وباب النبى (صلى الله عليه وسلم) وباب عمر الفاروق وباب الملك فهد. رؤية الرسول * وهل توقعت يوماً أن تقوم بكتابة أسماء أبواب المسجد الحرام؟ ** أود أن أقول إنه قبل أن يأتينى المهندس المصرى ليطلب منى كتابة اسم لوحته، رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فى المنام حيث جاءنى وقال: «اعملى يافطة مش عايزها مقطّعة»، لذلك عندما جاءنى المهندس قلت إن الرؤية ستتحقق وهذا ما كان ونلت هذا الشرف العظيم. * علمنا بأنك قمت بزيارة الأراضى المقدسة مرة أخرى ورأيت أسماء أبواب المسجد الحرام بنفس الخط منذ كتبتها.. فماذا كان شعورك؟ ** عادة يشعر المؤمن براحة تامة وهو داخل المسجد الحرام، لكنى عندما رأيت الأسماء التى كتبتها مازالت كما هى أثناء أداء العمرة شعرت بسعادة بالغة ورضا عظيم وكنت أسجد لله شكراً فى كل مرة عندما كانت تقع عنى فيها على أى لوحة من هذه اللوحات، وتمنيت أن أصيح فى الناس لأقول لهم أنا كاتب هذه اللوحات فهو شرف ما بعده شرف الحمد لله والشكر لله. * هل هذا يعنى أن موهبة الخط والرسم لازمتك منذ الصغر؟ ** بكل تأكيد، لأننى فى المرحلة الابتدائية كنت من المتفوقين لذلك كان المُعلم يجلسنا فى الصف الأول وعندما رأيته يكتب أسماء الطلاب الأوائل على شهادات تقدير بخط رائع وجميل مستخدما (الغاب) دهشت واستعجبت وبما أننى ولدت وترعرعت بقرية (هرية رزنة) بالزقازيق محافظة الشرقية وهى بلد الزعيم «أحمد عرابى» حرصت على أن أقوم بجمع عدد كبير من الغاب لأقطعه وأنمقه حتى أكتب به وأقلد هذا المعلم العظيم، ومعلمو اللغة العربية وقتها فى منتصف الأربعينيات كانوا خطاطين يتميزون بحُسن الكتابة والخط الجميل، فكنت أجلس على المقعد ومعى الحبر وريشة وكنت أتابع بكل تركيز كيف يقوم هذا المعلم أو ذاك بإخراج هذا الخط الجميل ومن هنا بدأت الموهبة تنمو لدى، وعندما كنت أرى أى خطاط يقوم بكتابة أى شىء على الجدران كنت أتابعه متابعة جيدة ودقيقة، مهما طال الوقت، وظللت أتابع الرسامين المشهورين وقتها بالصحف وكنت أقلد ما يرسمونه مثل السخيلى وعيسوى والأصيل. مع المصحف الشريف * ومتى بدأت فى كتابة المصحف الكبير، وما هى أهم مواصفاته؟ ** بدأت فى كتابة المصحف الكبير منذ أن كنت بالبحرين عام 1977 وما أن بدأت فى الكتابة حتى توقفت، ولكن بعد أن خرجت إلى المعاش بحوالى 5 سنوات أغلقت المحل الخاص بى حتى أتفرغ تماما لكتابة القرآن الكريم، وبدأت فعلاً فى الكتابة عام 2005 وانتهيت من كتابته فى غضون 19 شهراً ولو كنت أكتبه بانتظام لما استغرق أكثر من 6 أشهر. ويبلغ طول هذا المصحف متراً، أما عرضه فيبلغ 70 سم مكتوب على كل صفحة من الناحيتين.. وهو الآن موضوع بصندوق كبير وقد اخترت مصحف المدينةالمنورة لأنه الأوسع انتشاراً حيث تنتهى كل صفحة بآية.