ركزت فعاليات منتدى الدوحة الحادى عشر على الديمقراطية والتنمية والتحول السياسى فى المنطقة وقد ناقش المشاركون الأبعاد المختلفة فى عملية التغيير والانتقال الديمقراطى للسلطة وملامح مستقبل المنطقة فى ضوء التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تشهدها حاليا. وتساءل المشاركون فى ورشة العمل عن تأثير هذه التحولات العميقة على الصعيد الإقليمى سياسيا واقتصاديا وثقافيا خاصة على الصراع العربى الإسرائيلى وأبعاد الانتقال الديمقراطى فى العالم العربى. وقد افتتح أعمال المنتدى ولى العهد القطرى الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بحضور رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جبر آل ثانى ويعد هذا المؤتمر الأول من نوعه الذى يتحدث عن مستقبل الشرق الأوسط والعالم فى ظل الثورات العربية. وبعد الحديث عن انتفاضة الديمقراطية فى العالم العربى حذر ولى العهد القطرى الشيخ تميم بن حمد بن خليفة من ترك القضية الفلسطينية دون حل واعتبر بقاء الوضع على ما هو عليه تهديدا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم، كما تحدث عن الواقع العربى الجديد، مؤكدا أن الثورات العربية أثبتت أن الشباب غير منشغل بمفاسد الحياة الاستهلاكية. وإنما السعى للحرية والكرامة الفردية والوطنية والقومية والتى لن تأتى محمولة على دبابات الاحتلال. وأكد ولى العهد القطرى أن التغيير سواء جاء بالثورة أو بالإصلاح التدريجى سوف يتبين للجميع أن هناك فاعلا جديدا على الساحة هو الرأى العام العربى، ولن يكون بالإمكان فرض الإملاءات عليه. وحينها سوف ينجلى للعيان أن الرأى العام العربى أكثر تمسكا بالعدالة على المستوى الإقليمى والدولى من الأنظمة ذاتها وأن القضية الفلسطينية هى قضية العرب فعلا فهذا موقف الشعوب، هذا هو موقف الرأى العام العربى وهو ليس مجرد شعار رفعته بعض الأنظمة العربية. لقد أكدنا مرارا أن عدم تحقيق العدالة للشعب الفلسطينى والتى يجب أن يقوم عليها السلام فى منطقتنا هو من أهم عوامل عدم الاستقرار ومن مسببات ظواهر التطرف والعنف فى المنطقة. كما أكدنا أن التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم لهذه القضية من شأنه أن يسهم فى إعادة الأمن والاستقرار إلى الإقليم، وبالتالى سيدعم التنمية والازدهار فيه لأنه إذا لم يكن الحل عادلا وشاملا فلن يكون دائما. وطالب المجتمع الدولى ببذل جهد أكبر للضغط على إسرائيل وإقناعها بضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وحذر من بقاء القضية الفلسطينية دون حل واعتبر ذلك تهديدا للأمن والسلم العربى والدولى. وكان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر قد شدد على أهمية القضايا المطروحة خاصة مستقبل السلام ومتغيرات المنطقة واحتواء مخاطر المرحلة. أما برهم صالح رئيس حكومة إقليم كردستان، فقد تحدث عما يمر به العراق حاليا والمتغييرات العربية والإقليمية والدولية وقال إن بلاده لم تستكمل مهمة تحول ما بعد سقوط النظام السابق واعتبر ما يحد ثمن ثورات فى المنطقة فرصة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بشكل أفضل. وقد ربط وزير خارجية السويد كارل بيلت بين ما يحدث فى سورية وليبيا ومستقبل الانتخابات فى مصر وتونس وبين مستقبل الديمقراطية والتحول فى المنطقة واعتبر عملية السلام والقضية الفلسطينية قنبلة موقوتة إذا لم يتم حلها وحول موقف الاتحاد الأوروبى من فرض عقوبات على الرئيس بشار الأسد بسبب استخدام القوة ضد المتظاهرين أوضح الوزير السويدى أن هذا الأمر بيد الرئيس الأسد والفرصة أمامها ولكن مستعدون للتصعيد بعد ذلك. وفى إجابة عن سؤال محورى حول توقيت حدوث هذا التغيير رأى المشاركون أن الوضع المجتمعى هو الذى حدد لحظة الثورات الشعبية التى يشهدها عدد من دول المنطقة والتى جاءت كنتيجة حتمية للاحتقان السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى عاشته بعض دول المنطقة على مدى عقود، معتبرين أن هذه الثورات تأخذ نمطا صراعيا بعيدا كل البعد عن التغيير الآن، فهو تحول سيجرى بطريقة الاحلال، أى إحلال القيمة الإيجابية محل القيمة السلبية وذلك على غرار ما حدث فى تونس ومصر. ولفت المشاركون إلى ضرورة التمييز بين أربعة عوامل تتفاعل فى المجتمع هى درجة الوعى المجتمعى ومدى الاستجابة لاحتياجات المجتمع وجودة التقدير فيما يتعلق بمكافحة الفساد أو ترسيخه وأخيرا مستوى السلطوية أو الديمقراطية فى مجتمع ما «فإذا كان التفاعل بين هذه العناصر إيجابيا فإن ذلك سيولد تفاعلا إيجابيا أو العكس». وأكدوا أن الديمقراطية هى الأصل فى المجتمع العربى بغض النظر عن المرجعيات إذ شهد العالم فى النصف الثانى من القرن الماضى العديد من الثورات التى أدت إلى إسقاط الأنظمة الديكتاتورية فى عدد من الدول الأوروبية بدءا من القضاء على جيوب الأنظمة القمعية فى بعض الدول على غرار نظام فرانكو فى أسبانيا مرورا بالثورات التى شهدتها أوروبا الشرقية التى انتهت بسقوط جدار برلين وبعض دول أمريكا اللاتينية ثم جاء دور المنطقة العربية، حيث يتحدث البعض عن «الموجة الرابعة من الديمقراطية فى العالم» أو «الثورة العربية الثانية». الأمة العربية تعيش لحظة ولادة تتساوى فيها فرص النجاح والفشل. ومن جانبه ميز السيد محسن المرزوقى الأمين العام للمؤسسة العربية للديمقراطية بين ثلاثة أنماط للثورة هى: الثورة المدنية التى شهدتها كل من تونس ومصر والثورة المسلحة فى ليبيا إلى جانب نموذج تطوير الأنظمة بالضغط الجماهيرى كما هو الحال فى كل من الأردن والمغرب. وأضاف السيد المرزوقى أن الأمة العربية تعيش لحظة ولادة تتساوى فيها فرص النجاح والفشل، موضحا أنها تواجه العديد من التحديات على مستوى إدارة العملية السياسية حيث يجب أن تتحلى القوى المدنية فى الفترة الراهنة بالحكمة ووضوح الرؤية لتحقيق الأهداف إلى جانب ضرورة تحقيق توازن بين الجانب السياسى والاقتصادى والأمنى والتعامل مع مفهوم الديمقراطية بوصفه مسألة مواطنة خاصة فى ظل وجود حالة « تصحر» على صعيد النخبة التى لم تكن جاهزة للانتقال ووجدت نفسها إلى حد ما عاجزة عن ايجاد الأجوبة المناسبة فى الوقت المناسب. واعتبرالمشاركون أن استخدام الشباب العربى لوسائل الاتصال الاجتماعى والالكترونى والتى كانت بعيدة عن رقابة السلطة قد ساعدت بشكل حاسم على انتشار القاعدة الأفقية للثورات. كما أشار جانب من المشاركين إلى انتقال مراكز القوى الى منطقة الخليج بسبب انشغال القوى التقليدية بالثورات، متسائلين عن الدور الإقليمى الذى ستلعبه هذه القوة الصاعدة فى تحديد الملامح السياسية للمنطقة.