الزيارةالخاطفة التى قام بها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى إلى مصر أثارت العديد من الجدل حول أسبابها.. وفحوى الرسالة العاجلة التى نقلها الفيصل من القيادة السعودية للقيادة المصرية.. فبالتأكيد لم يكن سبب الزيارة الخاطفة واللقاء الذى لم تزد مدته على ساعة مع كبار المسئولين هو ما أعلن عنه رسمياً فى سطرين فقط من أنه «مناقشة القضايا الراهنة فى المنطقة وسبل دعم التعاون بين البلدين فى المجالات الاقتصادية».. فإذا كانت القضايا الراهنة فى المنطقة على كثرتها، ومجالات التعاون المصرى السعودى على تشعبها تناقش فقط فى ساعة واحدة.. «ماكانش حد غلب».. كما يقولون..! ولذلك فالقراءة الأولى لملابسات الزيارة وتزامنها مع عدد من الأحداث الخطيرة التى شهدتها مصر يوم الثلاثاء الماضى.. والصورة المفاجئة والعاجلة التى تمت بها.. تؤكد أن الزيارة لا تتعلق ببحث أزمات وقضايا المنطقة بل بحث أزمة واحدة ووحيدة وهى «أزمة» الرئيس السابق.. مبارك..! فتوقيت الزيارة الخاطفة تزامن مع بدء التحقيق مع مبارك ونجليه، وصدور قرار من النائب العام بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيق، وهو يتزامن أيضاً مع أول «ظهور صوتى» مفاجئ لمبارك فى قناة فضائية «تصادف» أنها سعودية، وهو ما أدى إلى تردد أنباء عن وجود أزمة مكتومة بين مصر والسعودية بسبب هذا الظهور الصوتى للرئيس السابق، والذى قيل إنه وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حرج بالغ..! حتى أن بعض المحطات الإخبارية الأمريكية، بل والعربية قالت إن زيارة الفيصل كان هدفها احتواء تداعيات هذه «الأزمة المكتومة»..! وقد يكون من المناسب أن نتناقش معاً فى رياضة ذهنية بحتة ما تردد أيضاً عن أن كلمة مبارك «المفاجئة» على قناة «العربية» السعودية، دفعت المجلس الأعلى إلى «التوجيه» بالإسراع بمحاكمة مبارك، بل وحبسه..!! فهذا الكلام يسىء ويؤدى إلى الوقيعة بين أهم مؤسستين فى الدولة وأكثرهما احتراماً وتقديراً من كل جموع الشعب وهما المؤسسة العسكرية.. وقضاؤنا الشامخ، واللذان يمثلان حجر الزاوية فى استقرار وأمن وأمان هذا البلد وإعلاء قيم الحق والعدل فيه.. فالمجلس الأعلى - وهذا بالمناسبة ليس مدحاً ولا نفاقاً، فمن المعروف عنى أننى لا أنافق أحداً لا وزير ولا غفير - أظهر منذ أن تولى إدارة الأزمة فى البلاد أعلى درجات الحكمة والانضباط، ولم يتورط فى ردود أفعال انفعالية، رغم عمليات الاستفزاز المستمرة فى الشارع المصرى، ولذلك فليس من المنطقى أن مؤسسة بهذا الانضباط تتورط فى رد فعل انفعالى للرد على تصرف «أخرق» من مواطن كان رئيساً للجمهورية.. كما أن المجلس الأعلى كان حريصاً منذ اللحظة الأولى لتوليه ملف الأزمة فى الداخل على أن يؤكد احترامه للشرعية وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وبالتالى فمن غير المعقول أن مؤسسة بهذا الفكر المستنير الواعى تضغط على النائب العام لتحريك ملف محاكمة مبارك فجأة وبسرعة، فالملف ببساطة كان مفتوحاً على مصراعيه أمام النائب العام ولم تكن المسألة بحاجة لأى ضغط.. وإذا كان المجلس الأعلى يربأ بنفسه عن أن يتدخل فى شئون القضاء وأن يملى عليه ما يفعله وما لا يفعله، فإننى أيضاً أربأ بقضائنا الشامخ أن يستجيب لأية إملاءات بما يفعله ومالا يفعله من أى جهة كانت حتى ولو كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ونخلص مما سبق أن الشائعات التى تأكل آذان المصريين هذه الأيام ليست حكاوى قهاوى هدفها فقط التسلية وتمضية الوقت فى مجالس النميمة، بل إن هدفها واضح وخبيث وهو محاولة هز ثقة الشعب فى الجيش والقضاء وإغراق البلاد فى حالة فوضى لا فكاك منها..! ***** ولأن الشىء بالشىء يذكر.. فقد يكون من الضرورى أن نناقش، من قبيل الرياضة الذهنية أيضاً، الشائعات التى ترددت والتى نشرتها العديد من الصحف والفضائيات، والتى عادت للظهور مرة أخرى بقوة مع زيارة سعود الفيصل «الخاطفة» للقاهرة.. والتى تشير إلى أن السعودية تسعى إلى إنقاذ رأس مبارك بدفع الدية إلى أهالى شهداء ثورة يناير وضحاياها، وقيل إنها ليست دية عادية، بل دية تشمل سداد ديون مصر الخارجية بالكامل.. وهو كلام غريب ومريب.. يجب ألا نتوقف عنده.. ومرددوه يستغلون ما هو معروف عن الثقافة السائدة فى المجتمع السعودى المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، والتى تقضى بدفع الدية فى حالات القتل الخطأ بشرط رضاء أهل القتيل. ومرجعى فى نفى مثل هذه الشائعات مصدران أساسيان هما نفى السفير السعودى فى مصر الشيخ أحمد القطان نفسه لهذه الشائعات جملة وتفصيلاً خاصة ما تعلق منها بقطع العلاقات وإعادة المصريين العاملين بالسعودية فى حال محاكمة مبارك، لأن السفير القطان كدبلوماسى مخضرم يعلم، كما يعلم أى دبلوماسى مبتدئ، أن هذا الكلام يدخل فى إطار التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وهو مالا يمكن أن تقدم عليه المملكة السعودية الشقيقة والتى تربطنا بها علاقات أكثر من ممتازة. أما المصدر الثانى لنفى هذه الشائعات فهو أنه من المستحيل تحقيق سيناريو الخروج الآمن لمبارك وأسرته بعد دفع الدية؛ نظراً لأن الأمر كله الآن أصبح فى يد قضائنا العادل الذى يحكم بعينين مغمضتين لا تفرق بين وزير أو غفير وبين مواطن غلبان.. ورئيس جمهورية سابق. عموماً.. الساحة الآن أصبحت حبلى بالكثير من الأحداث والتطورات بعد أن تم التحقيق مع مبارك وحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات والاستعداد لبدء محاكمته فى سابقة لم يشهدها التاريخ المصرى والعربى القديم والحديث.. لذلك فكل شىء من الآن فصاعداً أصبح جائزاً.. وهو ما يدفعنا إلى أن ننتظر ونرى.