جالس بلا حراك .. من يراه يظن أنه جثة هامدة.. ولكن حركة العين تؤكد أنه حى يرزق.. يبلغ من العمر الخمسين على الورق.. ولكن الذى ينظر إليه يؤكد أن عمره أكثر من ذلك بكثير.. يجلس غير قادر على الحركة.. يفكر فقط.. يتذكر نعم.. تمر سنوات حياته أمام عينيه كأنها شريط سينمائى.. يبتسم دقيقة ويبكى ساعات.. ها هو ذا يرى نفسه شاباً يخرج إلى عمله الشاق كل يوم.. نعم يومياً ولكن العمل الفعلى قد يكون يوما أو يومين.. وكثيراً ما كان ينتظر بالأسابيع ليجد العمل.. عمله يعتمد على قوة يده وشبابه.. فهو عامل زراعى وعندما كان يعمل كان يجتهد فى ادخار بعض الجنيهات القليلة فهو فى حاجة إلى أن يبنى بيتا ويكّون أسرة وكان يتمنى أن يرزقه الله بالأولاد.. ولكن الحياة صعبة.. ظل سنوات يدخر ويبحث عن بنت الحلال التى ترضى أن تعيش معه كما هو .. وأثناء البحث وجدها منكرة ترضى بالقليل وعلى استعداد أن تبنى معه وتزوجته وكانت بالفعل تحاول أن تدبر حياتهما خاصة أنها شعرت بجنينها الأول يتحرك داخل أحشائها.. بمجرد أن عرف كان يحاول أن يحفر فى الصخر حتى يوفر لطفله حياة هانئة بعيدة عما يعكر صفوها.. رزق بأول مولود له كان يبحث عن العمل يوميا ويحاول ان يوفر الجنيهات.. ولكن ليس كلى ما يتمناه المرء يدركه.. فقد بدأ يشعر بآلام فى بطنه وارتفاع بدرجة الحرارة ووهن بالعظام وكانت الزوجة بجواره تقدم له بعض المسكنات والمشروبات التى قد تساعده على تخفيف الأعراض والشفاء يوم والثانى وحالته كما هى.. الزوجة طالبته بالذهاب إلى المستشفى ولكن تكاليف العلاج وأجر المستشفى لا يستطيع أن يتحملها بأى حال من الأحوال.. وصبرت وصبر ولكن محاولاتها علاجه بالمنزل لم تفلح.. وخاصة أنه أصبح غير قادر على الوقوف على رجليه أو الخروج للبحث عن لقمة العيش ولم يكن هناك بد من الذهاب إلى المستشفى العام فى محافظته.. فحصه الطبيب وصف له الدواء بعد أن شخّص مرضه على أنه التهاب بالقولون ويحتاج إلى تناول العلاج مع الراحة والغذاء المناسب وأخبره الطبيب بأنه سوف يشفىخلال أيام قليلة.. مر يومان وكأنهما الدهر كله.. ولاحظت الزوجة أن وجهه بدأ يميل لونه إلى اللون الأزرق وعينيه تغير لونهما أيضا إلى اللون الأصفر وبطنه تزداد فى الانتفاخ.. وأصبح غير قادر حتى على الوقوف استعانت بالأهل وحُمل إلى المستشفى واضطر الأطباء إلى إدخاله العناية المركّزة وبدأت عملية الفحص وإجراء التحاليل والأشعة وأظهرت أنه مصاب بتليف كبدى واستسقاء بالبطن وذلك بسبب إصابته بالبلهارسيا ظل بالمستشفى أياما والأسرة تستدين مبالغ لمواجهة مرضه وخرج بعد ذلك لينام على فرشته غير قادر على العمل أو توفير لقمة العيش لأسرته وجلس بالمنزل لتخرج الزوجة تعمل بديلا له لتوفر ما يحتاج إليه من العلاج والغذاء الذى يساعده على تحمل المرض الصعب ولكنها غير قادرة على مواجهة مطالب الحياة الصعبة التى تعيشها الأسرة وخاصة أن هناك صبية صغيرة ما تزال فى الثالثة عشرة من عمرها تتعلم وتحتاج للكثير وتوجهت الزوجة لوزارة التضامن الاجتماعى التى ربطت لها معاش ضمان لا يتعدى 120 جنيها شهريا وهذا المبلغ يطير فى الهواء بمجرد وصوله ليدها.. أرسل الرجل يطلب المساعدة.. فهل يجد؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.