بيان رئاسى للأمة أعقبه بيان لنائب الرئيس سبقهما البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، كل هذا جرى خلال ساعات قليلة مساء الخميس الماضى وقبل دقات الساعة لتعلن بداية يوم جديد فى مصر، يخشى البعض أن يكون استمراراً للأيام السبعة عشر الماضية ويتمنى كثيرون أن تكون صفحة جديدة فى تاريخ مصر وشعبها. قبل خطاب الرئيس مبارك ونائبه السيد عمر سليمان، عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية اجتماعات برئاسة المشير حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى لبحث الإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم وقرر المجلس الاستمرار فى الانعقاد المتواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات فى هذا الشأن، وجاء البيان الذى أطلق عليه “البيان الأول” انطلاقاً من مسئولية القوات المسلحة والتزاماً بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه. جاء البيان حرصاً على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعب مصر العظيم وممتلكاته وتأكيداً وتأييداً لمطالب الشعب المشروعة. كان هذا هو البيان الأول للقوات المسلحة وهذا يعنى أن الجميع ينتظر بيانات أخرى وخصوصاً بعد ردود الأفعال المتباينة على خطاب الرئيس مبارك الذى يمكن اعتباره مرحلة جديدة فى حياة مصر والمصريين. إذا ما قرأناه بالمعنى السياسى فقد فوض الرئيس صلاحياته الدستورية لنائبه وهذا يعنى بوضوح أن السلطة وبحكم المادة 82 من الدستور قد انتقلت لنائب رئيس الجمهورية ولأن هذا النص لا يجيز لمن ينوب عن الرئيس طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب والشورى أو إقالة الوزارة فقد أحال الرئيس خمس مواد دستورية للتعديل وألغى مادة سادسة مع إمكانية التقدم بمواد أخرى إلى اللجنة الدستورية وفق ما تراه من الدواعى والمبررات، واستهدفت هذه التعديلات تيسير شروط الترشح لرئاسة الجمهورية واعتماد عدد محدد لمدد الرئاسة تحقيقا لتداول السلطة وتعزيز ضوابط الإشراف على الانتخابات ضماناً لحريتها ونزاهتها، وتؤكد على اختصاص القضاء وحده بالفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان وتعدل شروط طلب تعديل الدستور. وجاء اقتراح إلغاء المادة 179 من الدستور لتحقيق التوازن المطلوب بين حماية الوطن من مخاطر الإرهاب وضمان احترام الحقوق والحريات المدنية للمواطنين بما يفتح الباب أمام إيقاف العمل بقانون الطوارئ فور استعادة الهدوء والاستقرار وتوافر الظروف المواتية لرفع حالة الطوارئ، وبهذه الخطوة فتح مبارك الباب لانتقال سلمى وهادئ للسلطة فى إطار تشريعى يضمن دستورية الإجراءات التى يتم اتخاذها مما يمنع الطعن على خطوات المستقبل وبما يدخل البلاد فى فراغ دستورى. قد تكون هذه الخطوات غير كافية كما يقول البعض ولكنها فى الحقيقة تعتبر كما يقول الكثيرون أنه بتفويض الرئيس صلاحياته لنائبه، يكون النائب هو الحاكم الفعلى للبلاد حيث يقود المرحلة الانتقالية التى تشمل الانتهاء من التعديلات الدستورية وإجراء انتخابات رئاسية على أساسها تضمن اختيار المصريين لرئيس جديد للبلاد وفقاً لإرادتهم واختيارهم. ومرة أخرى أكد الرئيس عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة مكتفيا بما قدمه من عطاء للوطن ومتمسكاً بمسئوليته فى حماية الدستور ومصالح الشعب حتى يتم تسليم السلطة والمسئولية لمن يختاره الناخبون فى شهر سبتمبر المقبل فى انتخابات حرة ونزيهة. لقد توجه الرئيس مبارك هذه المرة لشباب مصر معتزا بهذا الجيل الذى يدعو للتغيير إلى الأفضل واعتبر أن استجابته لصوت ورسالة الشباب هو التزام لا رجعة فيه مؤكداً أنه لا عودة للوراء وأضاف الرئيس أن دماء الشهداء والجرحى لن تضيع هدراً وأنه لن يتهاون فى معاقبة المتسببين عنها بكل الشدة والحسم وسيحاسب الذين أجرموا فى حق شبابنا، وأوضح أنه لا يجد حرجاً فى الاستماع وقبوله لآراء وطلبات الشباب ولكن يرفض ككل المصريين أية إملاءات تأتى من الخارج أياً كان مصدرها.. قدم مبارك عزاءه للشهداء ودعا لاستمرار الحوار الوطنى الذى يضم شباب مصر الذين قادوا الدعوة للتغيير مع كافة القوى السياسية حتى ينتقل هذا الحوار من خطوطه العريضة إلى خريطة طريق واضحة ومحددة وبجدول زمنى محدد، تمضى على طريق الانتقال السلمى للسلطة. إنها مرحلة جديدة فى تاريخ مصر، تتطلب استعادة الثقة بين المصريين لكى تتجاوز البلاد أزمتها لنستعيد معا أمن الوطن والمواطنين مدركين خطورة المفترق الصعب الذى تمر به مصر لنبدأ فى مرحلة جديدة فى عمرها وتاريخها، فالتغيير يأتى فى إطار الشرعية الدستورية حتى لا نفاجأ بالانقضاض عليه بشرعية أخرى قد تدخل البلاد فى نفق الفوضى أو المجهول.