لم يعد خافيا على أحد بعد الحرب الصامتة تجاه غزه أو ما نسميه محاولات تعديل الشروط أن مسارات التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى ما لم تتقدم للأمام فهى تكون غالبا فى طريقها للرجوع للخلف وذلك بفعل قوة العوامل السلبية والدخول إلى التفصيلات بما يعيق جهود التسوية عن إخراج صيغة مقبولة تمكن من التحرك نحو إجراءات متفق عليها. كل ما ورد من إسرائيل على لسان قادتها وخاصة فى المجال العسكرى حمل تقريباً نغمة واحدة تعكس تلويحاً بخطورة الأوضاع فى غزة واحتمالاتها المستقبلية، فى الوقت الذى يقوم فيه مسؤلو حماس بالإشارة إلى صلابة الموقف الفلسطينى رغم الحرص على التهدئة، وكذلك أكدت الرئاسة الفلسطينية حرصها على صيانة الموقف فى غزة ضد اعتداءات إسرائيلية محتملة مع توسيع حركتها على المستوى الدولى حصولا على مزيد من الإعتراف بالدولة الفلسطينية ومحاولة تأكيد الإطار الدولى بما يمكن من حماية الأوضاع فى غزة من جهة والتمهيد لتعديل الموقف الإسرائيلى من جهود تسويه السياسية من ناحية أخرى.. وقد جاءت التلميحات العسكرية الإسرائيلية صريحة هدفها وأن كانت مغلفة فى نواياها فى نفس الوقت، وذلك فى إطار متناغم بين المسئولين الإسرائيليين وهو ما عكس البعض منه فيما يلى: إشارة نائب وزير الدفاع الإسرائيلى إلى أن الوضع مازال بعيدا عن أجواء حرب ولكن جميع أنواع الصواريخ مازالت تطلق من غزة وتلويحه أن بلاده ستتخذ قرارات بإنشاء منظومة القبضة الحديدية لاعتراض الصواريخ وذلك لاعتبارات عسكرية بحتة. إشارة رئيس الأركان لاستخدام الجماعات الفلسطينية للمرة الأولى صاروخا روسيا مضاد للدبابات وإشارة إلى بدء إسرائيل اعتماد نظم جديدة لحماية دباباتها من هذه الصواريخ. تقدم إسرائيل بشكوى إلى مجلس الأمن من تزايد إطلاق الصواريخ على أراضيها مع تحميل حماس المسئولية والإشارة إلى إمكانية بعملية عسكرية جديدة فى إطار حقها المشروع بالدفاع عن النفس، وفى إطار منفصل فقد دعا مبعوث الأممالمتحدة إلى أن إطلاق الصواريخ من غزة يعد انتهاك للقانون الإنسانى والدولى، بينما أكد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وطلب منها التحلى بضبط النفس، أما من جانب حماس فقد أشار مسئول كتائب عز الدين القسام التابعة للجناح العسكرى لها إلى أن التهدئة الميدانية مع إسرائيل فى قطاع غزة والمتفق عليها تعد مرهونة بوقف العدوان ورفع الحصار مع الإشارة إلى أن رد الحركة على أى اعتداء من جانب إسرائيل سيكون قاسياً وغير مسبوق. وعلى جانب آخر ومع مواصلة القوات الإسرائيلية المداهمات فى مناطق جنين ونشر قوات فى جنوب الخليل على الطريق بين محافظتى جنين وطولكرم أكد خالد مشعل أن المقاومة تعد هى الخيار الوحيد لدى الفلسطينيين لاستعادة حقوقها وليست المفاوضات. وعلى الرغم مما سبق فقد اتجه نتينياهو إلى تأكيد مسئولية الجانب الفلسطينى فى وضع العراقيل فى طريق أحداث اختراق سياسى مهم فى الوقت الذى أكد فيه أنه ليس لديه الرغبة فى مناقشة الحدود وتوضيح الأبعاد الأمنية أولا فى الوقت الذى أكد فيه أبومازن التمسك بخيار السلام القائم على الشرعية الدولية وأسس خريطة الطريق ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام. وكما لو كان أبومازن يعيد الإشارة إلى جهود السلام حيث أعاد التأكيد على بعض شروطها وخاصة قيام الدولة الفلسطينية خالية من أى وجود إسرائيلى على حدود عام 1967 م، وذلك مع إبداء دهشته حيال معارضة واشنطن التوجه الفلسطينى إلى مجلس الأمن لانتزاع الاعتراف بدولة فلسطينية على الحدود سالفة الذكر. وفيما يشبه النداء الفلسطينى الأخير فقد حرص أبومازن على محاولة كشف الموقف الإسرائيلى تجاه المفاوضات من حيث اعتبارها وسيلة لإدارة الصراع بدلا من حله بصورة نهائية مع تحذيره من أن التعنت الإسرائيلى يدفع الفلسطينيين إلى خيارات لا يمكن التنبؤ بها, خاصة مع ما يراه من أهمية عدم ترك أصوليين دينين متشددين من المستوطنين يدخلون المنطقة إلى حرب كارثية ذات طابع دينى فى الوقت الذى لا تقوم فيه إسرائيل بتقديم مشروعات بشأن حدود الدولة الفلسطينية وتعرض تصورها فقد لوضوع الأمن, وقد جاء ذلك فى الوقت الذى مازال فيه أبومازن يطالب كل من الرباعية الدولية بتأييد حل الدولتين وإن لم ينسى كذلك التحذير من استمرار الانقسام الفلسطينى. الأمور على النحو السابق مازالت تشير إلى محاولة كل من الجانب الفلسطينى والإسرائيلى – وكما لو كان كل منهما على الشاطىء المقابل فى النهر - ملء الفراغ المتوقع حالياً فى جهود التسوية لتأكيد وجهات النظر الخاصة مع وضوح الاهتمام الإسرائيلى بإيجاد مزيداً من الحقائق على الأرض من ناحية ومحاولة حصر دور حماس من ناحية أخرى، فى الوقت الذى تبدو فيه رغبة الجانب الفلسطيسنى فى إبداء قدر من التضامن مع غزة فى ضوء التطورات المحتملة غير المرغوبة فى الوقت الذى مازال يجس فيه النبض تجاه استئناف المباحثات السياسية باعتبارها توفر المناخ لتفادى العودة بالموقف فى المنطقة إلى أجواء وتأثيرات سلبية.