فى حكايات جدتنا زمان كان البطل صغير الحجم يهزم دائماً المارد العملاق بضربة واحدة.. وهكذا فعلت دولة قطر فى عصرنا الحديث فى حكاية مملكة الفيفا الدولية التى استطاعت وبحنكة بالغة استخدام كل أوراق اللعبة لتفوز بتنظيم المونديال العالمى لعام 2022 لتصبح أول دولة عربية وشرق أوسطية تنجح هذا النجاح الباهر . وهى خطوة نأمل فى أن تساعد فى غسل ملفات الفيفا القديمة التى تدعى تحزبها للكيانات الكبيرة الأمريكية والغربية على السواء وفى نفس الوقت ينعش الآمال لدى دول النظام العالمى الجديد فى الفوز بتنظيم هذه البطولة العالمية يوماً ما.. فهذه الممارسات التى تشبه الحروب الصغيرة نجحت فى استخدام القوة الناعمة التى طرحت كمصطلح عالمى جديد فى أجندة السياسة الدولية والمقصود بها استغلال ذكاء وإمكانات الدول الصغرى فى التصدى لهيمنة الكبار فى حروب لا تستخدم الأسلحة الفتاكة التقليدية دون إراقة دماء فى صراع نظيف تحكمه قوى السوق وقيم الاقتصاد الحر الذى يمنح أفضلية كبيرة فى حروب الغد لدول طموحة كدولة قطر - صغيرة الحجم - لتقود تيار جديد يسهم فى توجيه ميزان القوى فى العالم الجديد. التغيير هو الحل/U/ فقد نجحت قطر فى إقناع منظمى هذه البطولة العالمية بحق الدول الصغيرة فى الفوز بهذا الشرف وهذا ما أكدته تصريحات جوزيف بلاتر رئيس الفيفا الذى قال عقب إعلان النتيجة «إن الفيفا أصبح مقتنعاً بضرورة التغيير لمنح دولاً جديدة هذه الفرصة بعد تطبيق نظام الدور بين قارات العالم المختلفة». كما أن نجاح قطر فى تقديم ملف شامل ومتكامل حاز الإعجاب قد أسهم فى إتاحة الفرصة أمام الفيفا للتحرر من سطوة الشركات الراعية التى تلجأ دائماً لممارسة الضغوط على أعضاء اللجنة التنفيذية لصالح الدول التى لديها مصالح اقتصادية وسياسية معها بهدف تحقيق مكاسب فلكية، الأمر الذى جعل من الاتحادات الدولية أداة منفذه لرغبات هذه الدول وليست أداة فاعلة تسهم فى نشر وتطوير اللعبة فى أنحاء العالم وهو الهدف الظاهرى الذى تروج له وتسعى هذه الاتحادات إلى تحقيقه.. فدولة قطر أكدت بالدليل القاطع أنها خصم عنيد ومثابر، فقد استفاد من الملفات السابقة فى سد الثغرات التى يمكن أن تواجهه وهى المناخ الصحراوى الحار وصغر المساحة وقدمت عروضها وهى متضمنة حلولاً لهذه المشاكل والمتمثلة فى إقامة وتحديث 12 ملعبا كبيرا ومكيفا بنظم تكييف صديقة للبيئة، بالإضافة لمد شبكة مترو للأنفاق ذات نظام فريد للربط بين هذه الملاعب وتسهل حركات الانتقال للمشجعين حتى يمكن للمشاهد أن يحظى بمتابعة مبارتين إلى ثلاث مباريات يومياً وهى ميزة لايمكن توفيرها إلا مع الدول ذات المساحة الصغيرة.. فقد نجحت قطر فى توظيف صغر المساحة لصالح متابعى وحضور المونديال، بالإضافة لتنفيذ مطار قطر الدولى الذى يتسع لاستقبال 5 مليون مسافر يومياً ولم يكتف الطرح القطرى بما سبق بل قدم عرضاً آخر غير مسبوق ببناء ملاعب يمكن فكها لتوزيعها على 22 ملعباً فى الدول النامية وقد جاء فى دراسة أجرتها مؤسسة جرانت ترونتو الشهيرة أن استضافة قطر للمونديال ستؤدى إلى نمو اقتصاديات رياضة كرة القدم لتبلغ 14 مليار دولار بحلول عام 2022 ويتوقع المتخصصون أيضاً أن الإنفاق القطرى سيتجاوز 100 مليار دولار وأنه سيحقق حالة انتعاش اقتصادى سيستمر على مدى 12 سنة قادمة نظراً لأن الشركات التى ستتولى تنفيذ كل هذه المشاريع العملاقة تنتمى لشركات عالمية تمتلكها الدول العظمى والتى ستسعى لتوفير الاستقرار السياسى والاجتماعى فى المنطقة التى ستشهد هذا الحدث العالمى وهذا بالطبع سيمنح اقتصاديات هذه الدول فرصة التقاط الأنفاس بعد أزمة مالية طاحنة أوجدتها حروب فاشلة وينعش الآمال أمام دول واعدة اقتصادياً كالبرازيل - أمريكا اللاتينية - التى ستنظم المونديال عام 2014 وروسيا - العدو القديم - الذى سينظم المونديال عام 2018 وتأتى قطر التى أدى فوزها إلى حرمان الصين - المنافس القادم - من الاشتراك فى تنظيم المونديال حتى عام 2034. فقد نجحت القوة الناعمة التى أصبحت تسود مجال الدبلوماسية فى العالم لا سيما عقب اختيار أوباما رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية فى توجيه دفة الصراعات والخلافات لتسهم فى خلق واقع سياسى وعسكرى جديد على الخريطة السياسية فى العالم.. وقد نجحت الدبلوماسية القطرية فى إدراك مغزى هذه القوة من خلال طرحها للملف الخاص بها، والذى سبقه تمهيد اقتصادى تمثل فى سعى قطر لدعم الاستثمارات الخارجية منها مثلاً سعيها لشراء حصة فى مجموعة الإنشاءات الألمانية (هوكتيف) بملغ 400 مليار دولار وتعتبر (هوكتيف) واحدة من الشركات العالمية العملاقة فى مجال الإنشاء. ويسعى جهاز قطر للاستثمار وهو صندوق الثروة القطرى لشراء 10% من مجموعة أريفا النووية الفرنسية بمبلغ 4 مليارات دولار وأنشطة أريفا تعمل فى مجال التنقيب عن اليورانيوم وتنبع أهمية اليورانيوم فى أنه يستخدم فى المفاعلات النووية التى ستتصدر مجال الطاقة فى السنوات القادمة. إصلاحات ومعجزات/U/ تمكنت قطر من تحقيق نمو اقتصادى يتجاوز 22,7% نهاية العام الماضى رغم الأزمة المالية العالمية كما جاء فى التصريحات الأخيرة لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى الذى يقود الإصلاح القطرى الاقتصادى والاجتماعى منذ توليه الحكم فى قطر عام 1995وهو الذى رفع شعار تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط لترتفع الإيرادات غير النفطية من 39% عام 2000 إلى 52% فى العام الماضى وتعد قطر من أكبر مصدرى الغاز المسال فى العالم. فقد حرص الشيخ حمد على إصدار دستور دائم للبلاد وطرحه للاستفتاء العام وقد وافق عليه 96% من المواطنين وتم إصدار عدة قرارات تهدف لاستكمال المسيرة الإصلاحية منها التعليم وإنشأ مدينة للتعليم العالى تتولى زوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند إليها مهمة الإشراف على تطوير التعليم وإنشاء فروع لأشهر جامعات فى العالم مثل جامعة كومنولث فرجينيا وكلية كورنيل الطبية فرع قطر وجامعة تكساس أى أند إم.. كما أنشأ أول اتحاد رياضى عسكرى ليقدم الدعم لقطاع الشباب والرياضة ومنح العديد من الحوافز للمستثمرين الوطنيين من خلال إنشاء المجلس الأعلى للشئون الاقتصادية والاستثمار عام 2000 الذى يتولى تنظيم وإدارة احتياطى رأس مال الدولة ولذا لم يكن من المستغرب أن يتوج هذا الحراك الاقتصادى والاجتماعى بتنظيم كأس العالم لكرة القدم هذا الحدث الكبير الذى سيجعل من دولة قطر معجزة الألفية الثالثة.