يبدو أن الرئيس الباكستانى السابق برويز مشرف لا يستطيع الابتعاد عن الحياة السياسية طويلا أو الاكتفاء بدور المراقب لما يحدث فى بلاده، لذا قرر العودة للمشهد السياسى الباكستانى، وكانت هذه العودة من خلال إطلاقه حزبا سياسيا جديدا. وكان مشرف قد عقد مؤتمرا صحفيا فى لندن- المنفى الذى اختاره بعد إجباره على الاستقالة فى 2008- فى أوائل أكتوبر الجارى، وأعلن خلاله تأسيس حزب سياسى جديد برئاسته يحمل اسم «الرابطة الإسلامية العمومية» ومتعهدا بحكم باكستان فى انتخابات 2013 لتصبح دولة إسلامية حديثة ومتقدمة على حد وصفه، وأشار مشرف فى لقاء تليفزيونى مع «بى بى سى» إلى أن باكستان مهددة بالانهيار فى السنوات القليلة المقبلة فى حالة لم تتغير القيادة السياسية الحاكمة فيه، وحذر من أن بلاده التى تمتلك سلاحا «نوويا» قد تصبح تحت سيطرة حركة طالبان إذا لم تشرع الدولة فورا بمكافحة الفساد والجماعات المتطرفة المسلحة، كذلك الفشل الاقتصادى الذريع بالإضافة إلى المحسوبية والأمية. قرار مشرف المفاجئ بالعودة مجددا للمسرح السياسى فى باكستان يثير الكثير من التساؤلات كما يحمل الكثير من الدلالات بداية من التوقيت الذى اختاره لإعلان تلك العودة، حيث اختار أن يعلن قراره هذا فى ظل حالة من الغضب والاستياء الكبير تنتاب الشعب الباكستانى من الحكومة الحالية ومن الرئيس أصف على زردارى بسبب محدودية أداء وكفاءة الحكومة والأجهزة المعنية فى التعامل مع كارثة الفيضانات، وهو ما جعله وصف الحكومة بالفاسدة والعاجزة عن الاستجابة للتحديات المطروحة على البلد وفى المقابل كان دور الجيش الذى ينتمى إليه مشرف أكثر وضوحا وحضورا ليس فقط من حيث التوقيت وردود الفعل السريعة ولكن أيضا من حيث القدرة على الانتشار والوصول بجهود الإغاثة إلى مختلف الأقاليم. كما حاول مشرف الحصول على ثقة الشعب الباكستانى من خلال اعتذاره للشعب الباكستانى عن الممارسات السلبية التى حدثت أثناء وجوده فى السلطة كما سعى أيضا للتودد للمؤسسة العسكرية حيث اعتبر فى حديث «بى بى سى» أن الجيش هو الملاذ الأخير للشعب الباكستانى المحبط من حكومته وأنه القادر على إنقاذ البلاد من خطر التفكك. نقطة أخرى ركز عليها مشرف لكسب ثقة الباكستانيين بإعلان إنه سوف يعود إلى باكستان قبل الانتخابات المقررة 2013 مع علمه أن ذلك يعرض حياته للخطر، وأضاف أنه لا يتخوف من ملاحقات قضائية محتملة ضده وأنه لا خيار آخر أمامه غير السعى إلى إخراج باكستان من الظلم والوضع المحزن الذى يتخبط فيه بحسب قوله. وعلى الرغم من محاولته كسب ثقة الشعب والجيش الباكستانى إلا أن ذلك لا يضمن له ولحزبه الجديد فوزا مريحا فى الانتخابات المقبلة أو رئاسة الدولة مما يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك وعود أو إشارات من جهات وخاصة خارجية تعمل على عقد صفقة معينة تسمح بهذه العودة خاصة أن هذه العودة ربما تجد قبولا أيضا من جانب الولاياتالمتحدة والغرب فى ظل حالة التوتر القائمة مع الحكومة الباكستانية على خلفية ما يوصف بدور باكستانى مزدوج فى أفغانستان. هذا التصور قد يكون صحيحا خاصة مع تصريحات مشرف التى أكد فيها على ضرورة استمرار الحرب الأمريكية ضد طالبان والقاعدة واستمرار الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان جنبا إلى جنب مع تأكيده حاجة باكستان إلى الديمقراطية. وقد أثار قرار مشرف بالعودة إلى الحياة السياسية الباكستانية ردود فعل وجدلا كبيرا سواء من الحكومة أو الأحزاب حيث هاجم منافسو مشرف السياسيون قراره بالعودة بينما حاولت السلطة الباكستانية إخفاء انزعاجها من خطط مشرف للعودة وقال رئيس الحكومة يوسف رضا جيلانى إن حكومته لا تمانع عودة مشرف فهو مواطن يحق له العودة إلى بلده فى أى وقت يشاء. لكن جيلانى لم يتردد فى الإشارة إلى أن رئيس المحكمة العليا افتخار تشودرى الذى حاول مشرف عزله مرتين سيكون فى انتظاره لدى عودته الأمر الذى اعتبر تهديدا مبطنا بتعرضه لملاحقة قانونية.