عودة الدولة إلى الإنتاج السينمائى لن يحل مشكلات السينما أو ينقذها من الأزمة التى عادت مرة أخرى لتخنقها بسبب أنانية بعض المنتجين والمسئولين عن التوزيع والمبالغة فى أجور النجوم والنجمات، فضلا عن بعض الأسباب من خارج الصناعة مثل الأزمة المالية العالمية وظهور مرض أنفلونزا الخنازير وقصر موسم الصيف السينمائى. وتجربة القطاع العام السينمائى لاتزال ماثلة فى الأذهان، فقد تورط هذا القطاع من خلال جهاز السينما فى إنتاج أفلام ضعيفة وعديمة القيمة الفنية مثل «شنبو فى المصيدة»، فى حين أنتجت سيدة عظيمة مثل آسيا ملحمة «صلاح الدين الأيوبى» وخسرت بسبب إنتاجه الضخم معظم ثروتها. ولذلك فإن إعادة هذه التجربة الفاشلة مرة أخرى لن يؤدى سوى إلى تجمع بعض الانتهازيين ومحترفى إقامة دوائر التواصل وعلاقات البيزنس والشراكة مع بعض المسئولين حول موظفى وزارة الثقافة الذين سيكون فى أيديهم مفاتيح خزانة تمويل إنتاج الأفلام، وهؤلاء هم أنفسهم الذين حصلوا العام الماضى على دعم الوزارة المقدر بنحو 20 مليون جنيه، وأنتجوا أفلاماً لم تحقق نجاحاً جماهيرياً أو تجارياً يذكر، ولم يكن لها قيمة على المستوى النقدى مثل أفلام «العدل جروب». أما الفيلم الوحيد الذى أنتجته وزارة الثقافة وهو «المسافر» فهو لم يعرض للجمهور حتى الآن بسبب التخوف من ردة الفعل تجاهه، وسيطرة شركات بعينها على عملية التوزيع السينمائى ودور العرض والمنافسة غير الشريفة بين هذه الشركات هى السبب فى عودة السينما إلى زمن الأزمة بعد أن كانت قد تعافت وتخلصت من بعض أمراضها المزمنة. وهناك أساليب ووسائل أخرى كثيرة للنهوض بصناعة السينما غير العودة إلى تجربة ثبت فشلها عملياً وواقعياً. وليس معنى أن المزاج العام قد تغير بسبب أخطاء شابت عمليات الخصخصة أن تعود قبضة الحكومة مرة أخرى أو يعود تدخلها فى عمليات الإنتاج والتوزيع. فالزمن لم يعد هو الزمن، والظروف الاقتصادية والسياسية تغيرت فى اتجاه لا يمكن النكوص عنه، وما حدث فى حقبة الستينيات من القرن الماضى لا يصلح للتطبيق الآن على أى مستوى من المستويات. ويمكن اللجوء إلى حلول مبتكرة تخلق حالة من التوازن بين نهم القطاع الخاص للربح، وحاجة الناس للحصول على سلعة ثقافية جيدة وبتكلفة بسيطة فى متناول الجميع، كما حدث مع مشروع مكتبة الأسرة الذى أصدر آلاف الكتب القيمة وزهيدة السعر، ولم يقض فى نفس الوقت على حركة نشر الكتب، بل أدى إلى رواجها واتساعها وظهور المئات من دور النشر التى تساهم فى طرح كتب بأسعار السوق تجد هى الأخرى من يطلبها ويشتريها دون أن يطالب أحد بتأميم صناعة الكتاب. وإذا كنا نريد أن نساعد السينمائيين ونشجعهم على الإنتاج، فيجب أن نقلل من قيمة الضرائب على الأفلام الخام ومعدات التصوير وإيجار الاستوديوهات، أو نتيح الفرصة لقناة حكومية مثل «نايل سينما» للمشاركة فى عملية الإنتاج، والقيام بشراء حق عرض الأفلام الجديدة حصرياً كما تفعل القنوات العربية المنافسة، وأن نتوسع فى عمليات الترجمة والدوبلاج للأفلام المصرية، ونبحث لها عن أسواق جديدة، كما يجب أن تقوم وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات من خلال القنصليات المصرية بالخارج والملحقين الإعلاميين بتوقيع عقود حماية الملكية الفكرية مع الدول التى يمثلوننا فيها، بحيث لا يظل الإبداع المصرى سواء كان فيلماً أو مسلسلاً أو أغنية أو مقطوعة موسيقية أمراً مستباحاً للجميع بلا ثمن. ولابد من تفعيل القوانين المنظمة لحقوق الاستغلال الفنى، وتمكين الرقابة على المصنفات الفنية من القيام بدورها فى حماية المنتج الفنى من القراصنة ولصوص الإنترنت.