انتهى صراع الاشقاء على زعامة حزب العمال البريطانى بانتصار مفاجئ للشقيق الأصغر «إد ميليباند» على شقيقه الأكبر وزير الخارجية السابق «ديفيد ميليباند» ليبدأ الحزب رحلته الشاقة للعودة للسلطة مرة أخرى بقيادة شابة تحمل أفكار جديدة وتحلم باستعادة عرش دواننج ستريت مرة أخرى من بين أنياب المحافظين.. ومخالفاً لتوقعات استطلاعات الرأى التى منحت شقيقه الأكبر الأفضلية جاء انتصار «إد» البالغ 40 عاماً بشق الأنفس وبفارق حوالى 1% فقط حيث حصل على 50.65% مقابل 49.35% لشقيقه الأكبر ديفيد 45 عاماً وهو ما يظهر الانقسام الواضح للحزب خاصة إذا علمنا أن انتصار ميليباند الصغير جاء بفضل نقابات العمال وتيار أقصى اليسار فى الحزب الذى أراد أن ينتزع زعامة العمال من تيار يسار الوسط المعتدل الذى كان يمثله رئيس الوزراء الأسبق «تونى بلير» والذى يعتبر ميليباند الكبير من أكبر مؤيديه. وبالتالى فمهمة إد لن تكون سهلة بأى حال من الأحوال خاصة أنه تولى المسئولية عقب هزيمة ساحقة للحزب أطاحت به من 10 دواننج ستريت بعد 13 عاماً كاملة فى السلطة وسط انهيار تام لشعبية الحزب وانقسام واضح بين معسكر رئيس الوزراء السابق «جوردون براون» ومعه نقابات العمال ومعسكر بلير ومعه كبار قادة الحزب.. وسيكون على إد إذا أراد قيادة حزبة للعودة إلى دواننج ستريت مرة أخرى إنجاز مهمتين فى غاية الصعوبة أولهما استعادة ثقة الناخب البريطانى فى الحزب وهى الثقة التى فقدها بسبب انقياد بلير الأعمى لأمريكا ورئيسها جورج بوش الابن ونائبه تشينى ويمينهما المحافظ فى غزو العراق وهو ما أطاح ليس فقط بشعبية الحزب ولكن قبلها بمستقبل بلير السياسى كله وزاد الطين بلة الترهل الذى أصاب الحزب بعد 13 عاماً فى السلطة مما أدى لعدد من الفضائح التى ذهبت بشعبية العمال أدراج الرياح وكان أهمها فضيحة النفقات البرلمانية التى تورط فيها عدد من أقطاب الحزب وبالتالى فاستعادة بريق العمال لن تكون مهمة سهلة لزعيمه الجديد ولكنه مع ذلك قيادة جديدة ومع الوهج الذى أحدثه وصوله للزعامة والتى جعلت استطلاعات الرأى تضعه فى مرتبة واحدة مع منافسة اللدود حزب المحافظين لأول مرة منذ 4 سنوات فإن باب الأمل مازال مفتوحاً على مصراعيه.. ولكن قبل استعادة ثقة الناخب البريطانى فى حزب العمال تأتى المهمة الأصعب للزعيم الجديد فى توحيد صفوف الحزب خاصة أن الانتخابات أحدثت شرخاً وانقساماً واضحاً فى الحزب بين معسكرى أقصى اليسار ونقابات العمال من جانب وتيار تونى بلير من جانب آخر وإذا كانت الانتخابات قد أسفرت عن انتصار المعسكر الأول بصعود ميليباند الصغير على رأس الحزب وهزيمة الشقيق الأكبر المسنود من تيار بلير فإن على الزعيم الجديد أن ينحى بكل هذه الخلافات وراء ظهره وأن يحاول جاهداً توحيد الحزب وأن يكون زعيماً لكل العماليين وهو للأسف عكس تصريحات إد الصغير بعد انتصاره المفاجئ بأن عصر حزب العمال الجديد وهى التسمية التى تطلق على تيار بلير قد انتهى بغير رجعة. ويبدو أن ميليباند الصغير قد نسى أو تناسى أن هذا التيار هو الذى قاد الحزب إلى 10 دواننج ستريت عام 1997 بعد 18 عاماً كاملة خارج السلطة ولا يستطيع أحد أن ينكر أن بلير وسياسته التى ابتعد فيها عن أقصى اليسار ونقابات العمال هى التى أدت إلى توهج الحزب وقتها وأن بلير على الرغم من أخطائه بعدها كان رئيس الوزراء العمالى الوحيد الذى استطاع تحقيق الانتصار فى 3 انتخابات عامة متتالية وهو ما لم يحققه أى زعيم للحزب فى تاريخه والفضل كله لسياسات بلير الذى اتجه نحو يسار الوسط بعيداً عن نقابات العمال وبالتالى فإن التخلى عن سياساته كلية والعودة للارتماء فى أحضان نقابات العمال سيدفع ثمنه ليس فقط الحزب ولكن أيضاً إد وفى أول انتخابات عامة ولعل هذا هو ما جعل المراقبين يؤكدون أن الاتجاه اليسارى لميليباند الصغير سيقف حائلاً على عودة العمال للسلطة وعلى حد تعبير صحيفة صنداى تليجراف أن العماليين اختاروا ميليباند الخطأ وأن رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون قد فاز بالانتخابات المقبلة من الآن. ومع ذلك فالصورة ليست قاتمة تماماً خاصة مع اعتراف الزعيم الجديد فى خطاب النصر على أن خسارة الحزب لثقة الناخبين فى الانتخابات العامة الماضية كان نتيجة لفقدان حزبه التواصل مع الناخب البريطانى مقراً بأن حزبه يحتاج إلى التغيير مشيراً إلى أن هذا هو أول الطريق لاستعادة الحزب مكانته ومشدداً على أنه سيعمل على إعادة اتصال الحزب بالطبقة المتوسطة التى فقد تأييدها وهو ما يعطى الأمل بالفعل لاستعادة الحزب بريقه الذى فقده منذ آخر انتصار له فى الانتخابات العامة عام 2005.