عندما طرح الرئيس الروسى السابق (بوريس يلتسن) اسم فلاديمير بوتين لأول مرة كنائب له منذ أحد عشر عاماً.. ضحك الجميع غير مصدقين لغرابة الاقتراح وتعاملت معه الصحافة الروسية باستخفاف واعتبرته خطأ جديداً يضاف لأخطاء يلتسن العديدة. فكيف يمكن للاعب جودو و صياد سمك هاو أن يوقظ الدب الروسى من جديد؟ فبوتين الذى عرف طريقه جيداً منذ البداية أعلن فى لقائه مع صحيفة (كومار سانت) أنه سيبقى لفترة طويلة على المسرح السياسى وأن هدفه هو إقامة دولة مستقرة تقوم على علاقات متوازنة بين السلطة والمجتمع المدنى وهو عمل يحتاج إلى جهد ووقت طويل فرئيس الوزراء الحالى فلاديمير بوتين صاحب الابتسامة الغامضة لم يتخيل أن تعلمه لفنون الدفاع عن النفس وإتقانه للعبتى السامبو والجودو وظهوره عارى الصدر ممتطيا صهوة جواده صاعداً فوق قمم الجبال ستجعل منه بطلاً أسطورياً وينجح فعلاً فى أن يحظى بمنصب الرئاسة لفترتين متتاليتين بغالبية ساحقة ويصبح حالياً رئيساً للوزراء ومرشحاً لخوض الانتخابات الرئاسية التى ستنعقد فى عام 2012 القادم. ويقول الخبراء إن بوتين قد أعد المسرح السياسى لقبول كافة شروطه.. فهو قد استفاد من خبراته الطويلة فى مجال الاستخبارات ليصل لأهدافه بشكل مفاجئ وبدون إعلان مسبق. أخطر رجل/U/ فرجال السياسة الذين هاجموه فى السابق وصفوه بأنه «أخطر رجل عرفته روسيا حتى الآن» فهو خلال هذه السنوات القصيرة استطاع أن يرسم لنفسه صورة السياسى الداهية صاحب الحضور الدائم والقوى لدرجة جعلت أعداءه يمتدحونه قبل أصدقائه فمجلة التايم الأمريكية وصفت قيادته لروسيا «بأنها قيادة ناجحة حققت الاستقرار لأمة لم تعرف الاستقرار لحقبة طويلة وأنه أعاد إليها قوة تأثيرها على الساحة الدولية مرة أخرى». ويقول الكاتب (بيتر زيهان) الخبير فى التاريخ الروسى إن بوتين ظل عميلاً فى جهاز الاستخبارات الروسية (كى جى بى) حتى بعد أن تولى منصب الرئاسة لدورتين ورئاسة الوزراء حالياً، فهو يختارأعضاء فريقه من العاملين والموظفين وأعضاء وزارته أيضاً من عناصر ينتمون بصورة أو بأخرى لأجهزة الأمن السوفيتية. ويقول «إليكسى موخين» مدير مركز التكنولوجيات السياسية فى موسكو إن بوتين نجح فى رسم صورة له فى أذهان الجماهيرعلى أنه القيصر الجديد مذكراً الشعب بالتقاليد الروسية. فهو بدأ ولايته الأولى بإنهاء الحرب على الشيشان والتى شنها الرئيس السابق يلتسن خاصة بعد أن تسببت هذه الحرب فى إحراج الدب الروسى ودفعت بالرئيس يلتسن إلى التنحى ليصبح فلادمير بوتين رئيساً بالإنابة فى بلاد مزقتها الأزمات الاقتصادية والصراعات العرقية واستنزفت طاقتها الحروب الخارجية وصراع الأنداد الذى بدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل التسعينيات والذى أطلق عليه الحرب الباردة ضد المنافس الأمريكى. فبدأ أولاً بالتخلص من عصابات المافيا التى اجتاحت البلاد بملاحقتها ضريبياً لدفعها لترك البلاد واستمر فى تنفيذ البرنامج الإصلاحى الذى أعلن عنه فى بداية توليه لمنصبه الرئاسى. كما نجح فى تعزيز دور السلطة المركزية وإحداث توازن بين الجهاز التشريعى والجهاز التنفيذى وحقق نمواً اقتصادياً وفائضاً فى الناتج المحلى بنسبه تزيد على 30% وانخفض معدل البطالة والتضخم واستطاعت حكومته أن تسدد مبلغ 50 مليار دولار ديوناً خارجية ووصل حجم الاحتياطى الأجنبى للبنك المركزى 84 مليار دولار محققاً انتعاشاً مالياً شعرت به الأسر المتوسطة مما ساهم فى زيادة شعبيته. هجوم وترقب حذر/U/ ورغم ماحظى به بوتين من مدح واستحسان فهناك من يتهمه بأنه عجز عن استغلال فائض الأرباح التى حققتها زيادة أسعار النفط عالمياً فى تحديث البلاد فى مجال الصناعة والزراعة هذا على المستوى الداخلى أما خارجياً فهناك اتهام بأنه فشل فى أن يعيد لروسيا مكانتها الدولية وعجز عن مواجهة المحاولات الدائمة للإدارة الأمريكية لتقليص الدور الروسى عن طريق ضم دول الاتحاد السوفيتى السابق إلى الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو. ويحاول بوتين الآن مقاومة هذه التوسعات و نجح فى استرجاع سيطرته على جاراته الواحده بعد الأخرى وأعلن نائب بوتين (إيجور شوفالوف) عن إمكانية تخلى روسيا الاتحادية عن عملتها وإصدار عملة موحدة تصلح للتداول فى 3 دول هى روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وتعد هذه البداية التى تمهد لإنشاء اتحاد جمركى مشترك بين الدول الثلاثة المتحالفة وهى خطوة على الطريق للم الشمل من جديد لاسيما وأن روسيا تمتلك النصيب الأوفر من الطاقة والثروة و بالتالى لها الكلمة العليا فى وضع واتخاذ القرارات. حياته ودراسته/U/ ولد بوتين فى 1952 فى مدينة لينينجراد ويطلق عليها (سانت بطرسبرج) درس الحقوق بجامعة الولاية عام 1975 وبدأ عمله مباشرة فى أجهزة الأمن الروسية ليتدرج فى السلم الوظيفى ويرأس لجنة العلاقات الخارجية لإدارة مدينة سانت بطرسبرج عام 1991 ثم عين مديراً لجهاز الأمن الفيدرالى (كى جى بى) سابقا، ثم رئيساً لحكومة روسيا الاتحادية بالإنابة عام 1999 وبعد استقالة يلتسن أجريت انتخابات رئاسية عام 2000 فاز فيها بمنصب الرئاسة لمدتين متتاليتين وفى عام 2008 اختاره الرئيس الحالى ونائبه الأسبق وتلميذه مدفيديف لشغل منصب رئاسة الوزراء فى حكومته. كما حصل على الدكتوراه فى العلوم الاقتصادية وهو متزوج ولديه ابنتان ماريا وكاترينا. وعن أشهر عاداته أنه دائماً يصل متأخراً عن موعده سواء فى الداخل والخارج. فقد تأخرعن لقائه بالملكة إليزابيث الثانية لمدة 12 دقيقة، كما انتظره ملك إسبانيا خوان كارلوس وحرمه لمدة 20 دقيقة كاملة فى جو شديد البرودة أما رئيسة فنلندا (تاريا هالونين) فقد انتظرته لمدة ساعتين ورغم وصوله متأخراً فإن الجميع ينتظرونه ويكررون المثل الشعبى الروسى الذى يقول «الرؤساء لا يتأخرون.. بل يؤخرون» وكما هى العادة لايستطيع الإعلام المضاد أن يترك مناسبة دون أن يضفى لمسة تساهم ولو بقدر ضئيل فى تحطيم صورة الرئيس المنتظر فقد أجرت محطة سى إن إن الإخبارية استفتاء عن أقل رجال العالم هندمة وأناقة وكانت النتيجة المتوقعة احتلال الرئيس أحمدى نجاد للمركز الأول ويليه رئيس كوريا الشمالية «كيم يانج إيل» أما المركز الثالث فقد حظى به فلادمير بوتين وهذا ليس بمستغرب من الوحش الإعلامى الأمريكى الذى يهوى طحن عظام من يتربص بهم ومن لايتفق مع مصالحهم!