فيلم مصري يعيد المؤلف بهجت قمر إلى سابق ألقه بعد تعدد إخفاقاته من خلال كوميديا رومانسية بعيدة عن الابتذال والمبالغة. تبقى محاولات الاقتباس المصرية من الأفلام الأجنبية مرهونة بمدى نجاح صناعها في تقديم توليفة درامية تخرجهم من مأزق الاتهامات بالسرقة، من دون الابتكار فيها، وهو ما نجح فيلم “البدلة” المعروض حاليا في دور العرض المصرية في تجاوزه، متصدرا بذلك سباق الإيرادات لأفلام موسم عيد الأضحى. اعتاد المشاهد في السنوات الأخيرة أن يكون رقيبا على صناع السينما، وهي مسألة فرضتها الحالة القاتمة التي تمر بها الصناعة، والتي تتراوح بين قلة الأعمال المنتجة ورداءة الكثير منها، ما دفع الجمهور للتوجه نحو صناعة السينما الأميركية في المقام الأول، تليها نظيرتها الهندية، ما خلف ثقافة سينمائية واعية مهدت للمقارنة التلقائية والحكم النقدي من قبل المشاهد الذي أصبح قادرا على أن يفرز الرديء من الجيد بدقة واضحة. ولأن الكثير من المؤلفين طالتهم عدوى الاقتباس في أفلامهم، نجح فيلم “البدلة” بطولة تامر حسني وأكرم حسني وأمينة خليل في تجاوز ذلك بالاعتراف الصريح الذي تصدر شريط الفيلم في بدايته ودوّن عليه عبارة أنه “عمل مقتبس” دون ذكر العمل المأخوذ منه، وهذا الاعتراف الصريح يولّد نوعا من الراحة بين المشاهد والفيلم الذي احترم خبرته وثقافته السينمائية. نقلة نوعية أصبح “البدلة” أحد الأفلام التي تنافس بقوة في سباق الإيرادات للموسم السينمائي الحالي، للدرجة التي أحدثت حربا باردة بين بطله تامر حسني، والفنان محمد رمضان والذي يشارك أيضا في هذا الموسم بفيلم “الديزل”. وبعيدا عن حرب الإيرادات التي تطيح بالحديث عن جودة العمل الفني، فإن فيلم “البدلة” يعد نقلة جديدة لكاتبه أيمن بهجت قمر، ومخرجه محمد جمال العدل، اللذان نجحا كثنائي في تقديم عمل يحمل صلاحية “فيلم العيد” بالدرجة الأولى، ويمزج بين الكوميديا والرومانسية وبعض مشاهد الحركة الطفيفة التي لا تحمل استعراضا واضحا للعضلات. وجاء الاقتباس الأساسي لفيلم “البدلة” من نظيره الأميركي Let's Be Cops “لنصبح رجال شرطة” الذي صدر قبل أربعة أعوام، ولعب بطولته جيك جونسون ودامون واينز، إلاّ أن صناع “البدلة” كانوا أذكى من المشاهد الذي يذهب بعقله نحو الاقتباس من الفيلم، وتركوا المجال مفتوحا ولم يذكروا بوضوح اسم العمل المقتبس منه، لا سيما أن من يشاهد الفيلم يرى أنه خليط من الاقتباسات السينمائية الناجحة، وليس لفيلم بعينه، ممزوجة بتوليفة يحتاجها المشاهد. ويعتبر فيلم “البدلة” عودة قوية للمؤلف بهجت قمر، بعد إخفاقاته الأخيرة في السينما، التي ظهرت في أفلامه، “سمير أبوالنيل” للفنان أحمد مكي، و”آخر ديك في مصر” لمحمد رمضان و”عنتر ابن ابن ابن شداد” لمحمد هنيدي، والتي حاول من خلالها الاقتراب من الكوميديا. عاد بهجت قمر في “البدلة” لوهجه الذي كان عليه في أفلامه التي قدّمها قبل ذلك، مثل “ابن القنصل” للفنان أحمد السقا، و”آسف على الإزعاج” و”إكس لارج” للفنان أحمد حلمي، وقدّم مزيجا بين كوميديا الموقف التلقائية التي ظهرت بقوة بعد مرور الربع الأول من أحداث الفيلم الذي بدا كأنه فيلم عادي، وهو ما يشبه البناء التصاعدي للهرم الأرسطي الذي تتصاعد فيه الأحداث عند المنتصف وصولا إلى النهاية. لعبة القدر يلعب القدر لعبته بين بطلي الفيلم تامر حسني “وليد” وأكرم حسني “حماده”، حيث يولدا في يوم واحد، والأخير هو خال للأول وتصبح “نجاة” التي تلعب دورها الفنانة دلال عبدالعزيز هي الأم والشقيقة للبطلين، وتنحصر أحداث الفيلم في مغامرتهما، ويكمل القدر لعبته في سوء الحظ الذي يطاردهما، فوليد طالب فاشل اشتهر برسوبه في كلية الحقوق لمدة 15 عاما، أما حماده فهو حكم كرة قدم لا يختلف مصيره عن ابن شقيقته. يبدو رسم الشخصيات معروفا في ذاكرة الدراما، إلى أن يضع المؤلف عقدته بارتداء البطلين لزي رجلي شرطة بالصدفة وتتوالى المفارقات بعد ذلك، ولوّح بهجت قمر في هذه المنطقة بقضية شائكة ومحورية قد تغيب عن ذاكرة المشاهد خلال متابعته للأحداث، تتمثل في احترام الجميع وخوفهم وتقديرهم لزي رجل الشرطة على حساب العامة من فئات المجتمع. وظهر الخط الدرامي المثير في معالجة الكاتب المستترة، وهي تحمل ذكاءً وتمردا في ذات الوقت لعدم اللجوء للطرح التقليدي الذي سيطر على بعض الأعمال مؤخرا، وحمل مجاملات لرجال الشرطة، لكن بهجت قمر خرج من المأزق وتناول القضية من وجهة نظر المجتمع واحترامه لزي الشرطة بشكل غير مباشر، ما دفع البطلان للاستمرار في ارتدائه، بعد أن وجدا التقدير والاحترام في أعين الجميع، بينما افتقدا ذلك عندما خلعا الزي الرسمي. ويظهر ذلك في عبارة واضحة ترد على لسان البطل تامر حسني أو وليد في الأحداث عندما يقول له طفل صغير خلال اقتحامه لعرض العرائس الذي يشاهده “أقعد ياه (اجلس يا ولد)”، ليرد الأول قائلا “أهو دا اللي بأخذه أول ما بقلع البدلة (هذا ما يصيبني من وراء عدم ارتداء زي الشرطة)”. ويتجلى ذلك المفهوم في مشهد النهاية بعد أن تقدّم الصدفة هدية للبطل من خلال مساعدته لرجال الشرطة في القبض على أحد المجرمين الدوليين، ويلعب دوره الفنان ماجد المصري، حيث يذهب ضابط شرطة كبير، وقدّم دوره الفنان محمود البزاوي، في نهاية الأحداث إلى مدير البنك الذي رفض منح وليد قرضا لتمويل مشروعه الخاص لمكعبات الأطفال ليوافق على الفور. واختار المؤلف أيضا أن تكون بطلته الرومانسية التي لعبت دورها الفنانة أمينة خليل، كمصمّمة عرائس وهو أمر ذكي يتوافق مع البطل الذي يحلم بتنفيذ مشروعه لعمل مصنع لإنتاج مكعبات الأطفال، وإن كانت الكذبة التي فرضها البطل على حبيبته منذ الطفولة والتي التقاها بعد فراق سنوات وإيهامها بأنه رجل شرطة لم تكن فتاة أخرى لتتقبلها، لو كانت تفكر بالمنطق. ويحسب النجاح الأكبر للكوميديا في فيلم “البدلة” للفنان أكرم حسني الذي أصبح حصانا رابحا، يراهن عليه المنتجون، بعد أن أدرك عدم استسلامه لشخصية “أبوحفيظة” الشهيرة التي عرف بها في سنوات مضت، وبدأ يطوّر من موهبته دون أن تحدّد له ملامح واضحة لتركيبته الكوميدية، فهو لا يعتمد على نكتة أو حركة معينة، ما جعله يحلق في عالم الكوميديا. وظهر المخرج محمد جمال العدل، أكثر نضجا في هذا العمل، بعد أن تمرد على المساحات التقليدية المحدودة التي فرضتها عليه الدراما التلفزيونية، وقدّم مزيجا يجمع بين مشاهد الحركة الخفيفة المتماشية مع الأحداث والممزوجة بزوايا كاميرا ترصد جمال الطبيعة في بعض المشاهد، وخرج بعيدا عن النطاق المعروف للأفلام السينمائية التي اختنقت بالتصوير الداخلي توفيرا للنفقات، وهنا يبدو الإنفاق السينمائي الجيد لمنتج الفيلم وليد منصور موفقا. يمتلك فيلم “البدلة” الكثير من مقومات النجاح، بطله تامر حسني، كان ذكيا في اختيار طرح ألبومه الجديد بالتزامن مع عرض الفيلم، ما يدعم العمل ويزيد من اتساع قاعدته الجماهيرية، ويؤكد بذلك أنه ليس كل اقتباس سيء أو رديء، كما رسخ هذا المفهوم لدى البعض.