احذر.. عرقلة سير العملية الانتخابية يعرضك للحبس وفقاً للقانون    السيسي: استضافتنا للقمة العالمية لصناعة التعهيد تعكس ثقة المجتمع الدولي في قدراتنا    سعر الجنيه السوداني أمام الدولار بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    عاجل- الرئيس السيسي يستقبل سيرجي شويجو أمين مجلس الأمن لروسيا الاتحادية في القاهرة    سعر الليرة أمام الدولار في مصرف سوريا المركزي بمنتصف تعاملات اليوم    يلا كوورة.. مصر تواجه إنجلترا الليلة في معركة التأهل بمونديال الناشئين 2025    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس غدا الثلاثاء    ضبط صانعة محتوى بالبحيرة بتهمة نشر مقاطع خادشة للحياء على السوشيال ميديا    تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي بعد دخوله الرعاية المركزة    انطلاق فرق التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب بالوادي الجديد    حركة تنقلات بين مديري ووكلاء الإدارات التعليمية في الشرقية (الأسماء)    سيدات يصطحبن أطفالهن في انتخابات مجلس النواب 2025 بالهرم    منال بركات تكتب: براءة هتلر من دم اليهود (2)    واشنطن تتفادى الأزمة.. رويترز: مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    بعد فضيحة تحريف خطاب ترامب.. دعوة لتعزيز الإشراف على المعايير التحريرية في بي بي سي    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    مسيرة لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب بقنا | صور    الإصابة تحرم مدافع إنجلترا من مواجهتي صربيا وألبانيا    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    طن الشعير الآن.. سعر الأرز اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في الأسواق    رغم مشتريات الأجانب.. هبوط مؤشرات البورصة في منتصف جلسة تداولات اليوم    وزير النقل الإيطالي: نتعاون مع مصر لدعم مسار التجارة إلى أوروبا    غيوم وأمطار محتملة بالإسكندرية وشركة الصرف الصحي ترفع حالة الاستعداد    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    غرق مركب صيد أمام سواحل بورسعيد.. وجهود للبحث عن مفقودين    وزير النقل: ربط مصر بالدول العربية والأفريقية والأوروبية يحقق تكاملا اقتصاديا حقيقيا    فاصوليا بيضاء بالأرز على مائدة محمد سلام!    الثقافة تحتفل باليوم العالمى للطفولة بفعاليات متنوعة تحت شعار أبناؤنا فى متاحفنا    «القوس» هيقع في الحب وتحذير ل«السرطان» من قرارات مالية.. توقعات الأبراج لهذا الأسبوع    «توت عنخ آمون» تواصل خطف الأضواء من باقي قاعات المتحف المصري الكبير    معلومات الوزراء: المهارات المطلوبة لسوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    انتخابات النواب 2025.. شلاتين تشارك في العرس الديمقراطي وتحتشد أمام اللجان| صور    رضا عبد العال: بيزيرا "خد علقة موت" من لاعبي الأهلي.. ويجب استمرار عبدالرؤوف مع الزمالك    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "السلم والثعبان - لعب عيال" بحضور صناع العمل    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    بعثة الأهلي تغادر مطار دبي للعودة إلى القاهرة بعد التتويج بالسوبر    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاطف عبدالعزيز يكتب قصائده بذاكرة جمالية
نشر في نقطة ضوء يوم 19 - 03 - 2018

بدءاً من ديوانه «ذاكرة الظل»، ووصولاً إلى ديوانه العاشر «برهان على لا شيء» (روافد)، يتسم النص الشعري لدى المصري عاطف عبدالعزيز بجملة من السمات الجمالية والتقنية، حيث النزوع اللغوي المحايد، والولع بالمشهدية البصرية، وحضور العنوان بوصفه بنية دالة قادرة على تأدية وظيفة داخل المسار الشعري للقصيدة من جهة، ومسكوناً بجمالية أسلوبية من جهة ثانية.
يبدأ «برهان على لا شيء» من استحضار المأساة السورية التي تفرق ناسها في المنافي، ومن ثم يهدي الشاعر ديوانه إلى محمد فؤاد، رشا عمران، ندى منزلجي، محمد رشو، سلطانة يوسف، ريم بسوف... «حتى آخر وردة في الحقل السوري الذي وزّعته الريح على المنافي». يتشكل الديوان من ستة عشر قصيدة، يتلوها نص «الإشارات والتنبيهات» الذي يتماس الشاعر في عنوانه مع عنوان كتاب الشيخ الرئيس ابن سينا، ويمثل تتمة للرؤية الشعرية، وجزءاً مركزياً من بنية الديوان، حيث لا نصبح أمام محض تأويل للإحالات المعرفية التي وردت في متن القصائد، بل نصبح أيضاً أمام نص مصاحب، يفتح أفق التلقي، كما في القصيدة التي تشير الى إلى المغني الأميركي إلفيس بريسلي مثلاً (ص105)
تنهض عناوين الديوان على جدلٍ بين العنوانين؛ الرئيس والفرعي. ويكتب العنوان الفرعي بحجم صغير في خط الكتابة المستخدم، فتكون العناوين هنا من قبيل: «لبلابة على وشك السقوط/ الوجه الآخر لمنتصف الليل/ ثغرة للمراثي/ منظر غائم لشطٍ بعيد، طرف من مكائد الخيال/ عطايا الطوفان»، إذ نصبح أمام ديوان يوظف العناوين الموازية التي تنفتح معها مدارات التأويل. في «لبلابة على وشك السقوط»، يستهل عبدالعزيز نصّه بسؤال: «أين تذهب الأيام يا أمي؟». إنه السؤال الذي يستحضر الزمن، باحثاً في المصير الذي ينتظر تلك اللحظات الفائتة، بوصفها ظلالاً مهشمّة لعالمٍ معقدٍ، تبدو فيه الغربة ظلاً للروح، وعنواناً للشعر، ولمأزقه المتجدد. ومن رحم السؤال ذاته، تتولّد شعرية نص مفتوح على الزمن، ليس بوصفه صدى للفقد والنوستالجيا فحسب، ولكن باعتباره أيضاً مجلى للخيبات اللانهائية، وللوجع الذي يطارد الذات الشاعرة: «سعاد الحسيني تبحث في المذياع عن «تخونوه»/ بينما طفلها في الشرفة/ يتأمل الجند المحمولين إلى الصحراء/ الولد كان واثقاً/ بأن الزعيم هو الجسر الذي يعبر/ عليه النهار كل يوم/ إلى باحة البيت/ ليجفف الغسيل المنشور/ ويشد خيطَ لبلابته الموشكة/ على السقوط/ بريسلي – ودون أن يدري- كان أيضاً/ هو الجسر الذي عبر عليه السود في ما بعد/ إلى المكتب البيضاوي/ بل كان الجسر الذي عبر عليه/ البيض/ إلى الهواء الطلق/ بعد أن حرر ال (روك آند رول) من/ حظائر الماشية/ ومن أدخنة التبغ الرديء/ المعقودة/ في سماء هارلم» (ص12-13)
وحين يفتح الشاعر نصّه على الإحالات المعرفية المتواترة في القصيدة، فإنه ينفذ صوب مسام الروح المسكونة بالخوف والترقب الدائمين. وفي النص أيضاً موازاة رهيفة بين الفيلم السينمائي الشهير «الوسادة الخالية» وبطله «العندليب» عبدالحليم حافظ، وحركة الفعل الشعري داخل القصيدة.
كسر أفق التوقع
يُدخل عاطف عبدالعزيز متلقيه مباشرة إلى متن قصيدته «الشهيق»، والمهداة إلى الكاتب المصري سيد الوكيل، فيحيل بذلك إلى مروي له محدد، وقصته «نُنُّس» التي تشير إلى علاقة بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، ويمثل السياق السياسي/ الثقافي قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 مباشرة إطاراً للحكاية، سنجد في القصيدة حالاً من الموازاة بين المحكي عنهما نادية نبيل سند، ومارسيل أديب عياد، بين المسرود عنها في حكاية الوكيل، والمحكي عنها شعرياً هنا «مارسيل»، والتي يؤخر الشاعر اسمها كثيراً، قبل أن يعلن رغبته في التحرر بالإفصاح. وينهي عاطف عبدالعزيز قصيدته عبر الجملة المدهشة، أو الصادمة: «متى نفعَ الحبُ في بلادنا أصحابَه؟!» (ص21). في «ثغرة للمراثي»، تهيمن الصور والأخيلة على فضاء القصيدة، وتمثل التراكيب المدهشة خصيصة جمالية لدى الشاعر، فيكسر أفق التوقع لدى المتلقي في مختتم النص على النحو التالي: «أين راح مطعمٌ كان هنا/ يعومُ/ على ساعد الموج؟!».
في «طرف من مكائد الخيال/ عطايا الطوفان»؛ يحيل عاطف عبدالعزيز إلى زمنٍ هارب، إلى ذاكرة معتلة، والنص فيه عودٌ على بدء، وبنيتُه مفتوحةٌ على فنون أخرى، تستعير من السرد بعض آلياته. في «ريشة على السطح»، نصبح أمام نصٍ ناعم، إيقاعاته الداخلية بارزة، وينهض على التمني، ويفتح ذاكرة التخييل على مصراعيها. هذه الذاكرة التي تمتد أيضاً إلى قصيدة «الولد الذي استحال ديكاً»، حيث الريشة التي تتطوّح على بلاط الشرفة، وكأنها برهانٌ على اللاشيء، وهي المذكور النصي الأول إلى العنوان داخل الديوان. ولعل الريشة هنا مغايرة عن تلك الريشة على السطح التي بدت في القصيدة السابقة، ومتقاطعة معها في آن، حيث تبدو وفق التحليل السيميولوجي علامة على حال من التوزع/ الرغبة في البراح/ الواقع الرجراج؛ حيث هذا التطواح المستمر. هنا أيضاً في «الولد الذي استحال ديكاً»، سنجد النزعة السردية، والبناء الخطي المتتابع، حيث نرى خروجاً من الحكاية الشعرية إلى أسر أخرى، حتى يصل الشاعر إلى ذروة النص، وتوهجه: «من هنا تقريباً بدأ الشعر/ بدأ الكلام الذي ينمو في قلب الكلام» (ص44)
في الديوان حضورٌ لتنويعات من الموسيقى، قد تكون الروك آند رول، أو حفلات الريسيتال، وبما يعني أن ثمة انفتاحاً على الفنون الأدائية والسمعية، مثلما نرى في قصيدة «ريسيتال». وفي «مدونات الشارع المسدود»، ثمة نزوع درامي يعتمد في بنيته على مشهدية بصرية ضافية. وفي «دليل الحائر إلى تبديل المصائر/ أن تحبك مها ناجي»، نرى موازاة فنية لواقع سياسي معقد؛ وعلى نحو لا يجرح الشعر بالأيديولوجيا الزاعقة. في «وقت في حراسة الخذلان»، يشير الشاعر إلى حال من التبدد، مستدعياً الشاعرة السورية ندى منزلجي؛ مثلما يستعيد أصدقاء آخرين فرّقتهم المنافي.
وفي «قمر على البراري»؛ يستحضر عاطف عبدالعزيز أفلاطون وخصومته التاريخية مع الشعراء، محيلاً إلى تلك العلاقة الإشكالية: «أما عظام أفلاطون/ خصمي/ وولي نعمتي/ الرجل الذي أيقنت أخيراً أنه لم يمت/ إلا من قلة النوم/ فسوف أجمعها في لفافة من القز/ وأجعلها وسادة» (ص100-101)
تبدو «الإشارات والتنبيهات»، أكثر من كونها دلالة معرفية، أو محض هوامش على متون شعرية، حيث تتمم أحياناً المدلول الشعري، بل إنها تكتنز داخلها دائماً طاقة إيحائية. إن نص عاطف عبدالعزيز تؤرقه الأسئلة أكثر من أي شيء آخر، بحيث يتوجه هنا، وفق ماكليش، «نحو أشياء العالم، لا لكي يُكوّن أفكاراً عنها بل ليكشفها، وبذا يكتشف نفسه». وأرى أن عاطف عبدالعزيز راكَمَ– وبجدارة- مشروعه الشعري المائز، الممتد على عشرة دواوين، وقدّم لنا نصاً ثرياً ومختلفاً في ديوانه «برهان على لا شيء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.