"ماذا تبقى من غيفارا؟” كتاب جديد، تأليف د.مسعد عربيد، وهو طبيب عربي فلسطيني الأصل ويقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية، معروف بكتابته النضالية التي تؤيد حق الشعوب في الاستقلال والنهضة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والانعتاق من الظلم والتبعية. يقع الكتاب في نحو سبعة وأربعين فصلاً وزعت على سبعة أقسام تلقي إضاءات على فكر تشي غيفارا السياسي الاقتصادي ونضاله الثوري في سياق تجربته في الثورة الكوبية وبناء الاشتراكية، ومعترك تقييمه ونقده لنمط الإنتاج السوفييتي وسياسات الاتحاد السوفييتي، مروراً بسعيه وراء الثورة الأممية في الكونغو أولاً ثم في أدغال بوليفيا حيث استشهد. الإرث الفكري قدم المؤلف في القسم الأول تصوره لمدخل منهجي في قراءة غيفارا وعرض في أربعة فصول: راهنية فكره وإرثه في سياق الأوضاع الراهنة في عالمنا المعاصر وتناقضاته. أما في القسم الثاني والمعنون "النشأة والتكوين الثوري" فقد رصد المؤلف العوامل الذاتية والموضوعية والمؤثرات الفكرية والسياسية التي ساهمت في تكوين غيفارا المفكر والثائر. ومن خلال رحلات غيفارا وأسفاره في بلدان أميركا اللاتينية، وذلك قبل التحاقه بالثوار الكوبيين بقيادة فيدل كاسترو، حيث سلط المؤلف الضوء على الدور المهم وربما الحاسم الذي لعبته هذه الأسفار في صقل شخصيته وتكوينه، والأهم في تحديد مسيرة حياته والعثور على القضية التي كان ينشدها: الثورة ضد الظلم والاستغلال والذود عن الفقراء والمضطَهَدين. وفي القسم الثالث من الكتاب، وتحت عنوان "فكر ومواقف" توقف المؤلف عند الركائز الأساسية لفكر تشي غيفارا مستهلا بفصل يقدم نظرة عامة على أطروحاته ومواقفه قبل أن يبدأ في الفصول اللاحقة إلى مناقشة بشيء من التفصيل الأركان الرئيسة لفكره وأهمها: التغيير: ثورة أم إصلاح؟ الرأسمالية والإمبريالية العدو الرئيس للشعوب، مركزية المقاومة في فكره، أطروحة الكفاح المسلح وحرب الغوّار، مفهوم الوعي الجديد عند غيفارا، جدل الحوافز المادية والمعنوية، "الإنسان الجديد"، البحث عن البديل الاشتراكي، الشيوعية والأخلاقية وخصوصية أميركا اللاتينية في فكره ونضاله. ومن خلال القسم الرابع ركز المؤلف على نقد تشي غيفارا للاتحاد السوفييتي السابق وسياساته الداخلية والخارجية. وقد احتلت فصول هذا القسم حيزاً مهماً من الكتاب لأهميتها في تطور غيفارا الفكري والثوري، كما يؤكد ذلك المؤلف، حيث انطلق غيفارا من نقد السياسات السوفيتية إلى رفضه لمحاكاة التجربة الاشتراكية السوفييتية، ما يعني رفضه لنمط الإنتاج السوفييتي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعها السوفييت في بناء الاشتراكية، وفرضها على المشروع الاشتراكي في كوبا أو بلدان أخرى خصوصاً بلدان العالم الثالث. أما في القسم الخامس فقد تناول المؤلف ما تعرض له تشي غيفارا من نقد: سواء كان نقدا ثوريا وإيجابيا، أو محاولات خبيثة ورخيصة للتشهير والتشويه والبروباغندا الرأسمالية والإمبريالية. وقد أفرد المؤلف في هذا القسم فصلا تحت عنوان: “تشي غيفارا: أيقونة أم ثائر أممي، ضمنه تقييما لمحاولات “أيقنة” غيفارا ، على حد وصف المؤلف، سعيا وراء تفريغ المضمون الثوري لفكره ونضاله. كما أفرد المؤلف فصلا آخر لمناقشة العلاقة بين تشي غيفارا وفيدل كاسترو والإشاعات حول الخلاف بينهما والادعاء "بتخلي" كاسترو عن غيفارا. أما في القسم السادس، فقد تطرق المؤلف إلى دراسة غيفارا، فكرا وإرثا، من منظور أنه يمكن الحصول على دروس من سيرة غيفارا تفيد في إصلاج أوضاع شعوبنا العربية مع التركيز على مسألة الوعي الشعبي والجمعي العربي وما حلّ به من تخريب وتشويه، ودوره في التمهيد لبناء مشروع الثورة والتغيير في الواقع العربي، وهي المسألة (مسالة الوعي) التي أولاها غيفارا اهتماماً قلّ نظيره. واختتم الكتاب بالقسم السابع الذي جاء بعنوان "ماذا تبقى من تشي غيفارا؟" والذي تضمن قضايا قد يراها كثيرون خلافية من حيث إنها تعالج التحديات التي يواجهها فكر غيفارا في الوطن العربي والعالم بشكل عام، ولعلها ذات التحديات التي يواجهه أي فكر ثوري. قراءة متجددة لفكر غيفارا وحيث قصد المؤلف على حد قوله من الكتاب تقديم قراءة متجددة لفكر تشي غيفارا وإرثه ضمن سياقه التاريخي، قراءة تسترشد بالواقع المستجد للشعوب وطبقاتها الشعبية ومصالحها ونضالاتها، وهي قراءة تنطلق أساسا من عملية الثورة من أجل حل التناقضات المحتدمة والتي تتمثل في استفحال الفقر والظلم والاستغلال في أغلبية مجتمعات العالم، معتبرا أن البحث عن غيفارا وفيه هو في الجوهر بحث عن تغيير الواقع المؤلم والمرفوض في العالم العربي ويؤكد د. مسعد عربيد في سياق آخر من الكتاب أنه أراد من كتابه أن يقدم للجيل الناشئ قراءة كفيلة بأن تُخرج غيفارا وفكره وإرثه من فخ "الموضا" والأيقنة، ليدخل حيز الوعي الشعبي بغية إرشاده وتثويره، معتبرا أنه في مهمة أولية وتأسيسية في خلق وبناء العامل الذاتي في المجتمعات العربية، وضمانة لاستنارة الفعل الجماهيري بالفكر الثوري وتسلحه بالنظرية الثورية وإفادته من تجارب الشعوب الأخرى. لكن ما حدث هو أن المؤلف وقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه كل مثقف يساري يحاول التصدي لمهمة تثوير المجتمع أو تثقفيه، وهو أنه لا يقدم أبدا للجمهور الذي يخاطبه خطابا مفهوما، حيث وقع المؤلف في نفس فخ الخطاب النخبوي الذي يميل كل مثقفي اليسار للتنبيه، فخرج الكتاب سفرا نخبويا رائعا، لكن غير مفهوم إلا في نطاق ضيق للمثقفين، وهو ما يتناقض مع الهدف الذي حدده المؤلف لكتابه منذ البداية في توعية الشباب العربي من أجل دفعهم لتثوير الواقع من خلال المقاربة مع التجربة التي قدمها غيفارا في مجتمعات أميركا اللاتينية، مع العلم أن البيئة الثقافية والمعرفية في بلادنا العربية مختلفة كل الاختلاف عن البيئة التي نشأ فيها غيفارا ومارس عمله الثوري التحريضي من خلالها في بلدان أميركا اللاتينية. يذكر أن كتاب "ماذا تبقى من غيفارا؟" للدكتور مسعد عربيد، صدر عن وكالة الصحافة العربية (ناشرون) ويقع في نحو 610 صفحات من القطع المتوسط.