يرتبط التشكيلي السعودي أحمد حسين الغامدي برؤيته الخاصة التي تتغيى وضعيات التشخيص التشكيلي في المنظومة التجريدية، على نحو من الاحترافية في بعث الصورة من عمق التجريد الصرف، ما يجعل المادة التشكيلية لديه في مزاوجة تشكيلية متباينة، يتجاوز بها حدود التجريد التقليدي المتعارف عليه إلى مادة تشكيلية تجريدية تسائل وحدة الموضوع. لذلك فالخطاب الفني في أعمال الفنان أحمد حسين، ينبني على الرؤية المسعفة في تأمل الوجه من زاوية إدماج الصمت في بناء الشكل واللون. إن هذه الصورة التشكيلية التجريدية التشخيصية لديه تكتسي وظيفة بنائية ودلالية تنسجم مع الهواجس، ومع تجربة الألم، الذي تدل عليه لعبة الأبيض والأسود في التشكيلات الجديدة للفنان أحمد. الشيء الذي أصبح أس التجربة التجريدية الجسدية الجديدة لديه، بوصفها توجها نحو إزالة الفروق بين مختلف الألوان باستثناء الأبيض والأسود. يتضح هذا الاجتهاد والابتكار التشكيلي من خلال الاستعمال الموحد على ألوان فارقة، يوظفها بتقنيات عالية وبأسلوب نوعي ومغاير للمألوف، وبترتيب بنائي مكتمل المعالم، وهو ما يتجلى في العديد من المغازي والمعاني والدلالات. فالأيقون التشخيصي والأيقون التجريدي متباينان؛ ولعبة الأبيض والأسود تزيد من حدة المفارقة، وهو ما يحتاج الى تفسير منطقي لهذه المظاهر اللونية والتشكيلية والعلاماتية، المحملة بالإيحاءات والتعابير والمغازي والدلالات في فضاء غير متناه. إنه مشروع ذاتي شعوري يتواشج مع التقنية الفنية، ويعد نسيجا إبداعيا عميقا ونوعيا تتحكم فيه رؤيته في وضع الأشكال والألوان والرموز التي تطبعها الايجابية المطلقة. إن عملية توظيف مضمون الأعمال بتباينات ومفارقات يطبعها التوليف والانسجام، والموازنة بين التركيب والألوان والمساحة، وبأسلوب خاص وبأمانة في التعبير، يجعل أسلوبه عملا ابتكاريا خاصا وفريدا، يتخطى حدود التجريد الذي اعتمده الفنان أحمد لردح من الزمن، إلى أسلوب جديد معاصر، تتوزع فيه الأشكال التعبيرية النادرة والعناصر اللونية المتباينة التي تغذيها المادة الفنية بتقنيات عالية، وباستعمالات موتيفية وعلامات تنوعية وتوظيفات دلالية، وطرائق تعبيرية خارجة عن المعتاد، وإرساء تشخيصات تشكيلية دلالية في عمق التجريد بشكل غير معهود في التشكيل الحديث، ليشكل أسسا فنية تمنح أعماله جماليات تشكيلية نوعية ذات خصوصيات متفردة، وتكشف عن عملية التأسيس لمدرسة تجريدية واقعية جديدة. وبذلك فقد استطاع الفنان أحمد حسين الغامدي أن يثبت تشكيليا ما حملته تجربته العالمة من تقنيات جديدة، للتدليل عن تصوراته وأفكاره في عالم التجريد المفضي إلى الصورة الواقعية، من خلال تعبيره عن قضايا إنسانية واجتماعية وروحية، أسهمت في تشكل ينبوع تعبير دقيق بتنوع في الأسلوب تبعا لنسق الثقافة التشكيلية من جهة، وتبعا لنسق التقنيات الجديدة وعناصر فكر المبدع، والروح التواقة إلى كل تجسيد للأشكال المختلفة في معانقة للأفق. فالفنان التشكيلي أحمد حسين له إمكانات تقنية هائلة يوظفها في الاستغلال التدرجي للألوان والتعبير بالأسلوب الفريد الذي يختص به، الذي يدخل ضمن الثقافة التشكيلية السعودية، بل ويمتح من خلاله من ثقافة الفنون التشكيلية المعاصرة. إنه يتفاعل مع التجريد ومع التشخيص ومع الفن الواقعي بنوع من المرونة التشكيلية، ويتحكم في تدبير الفضاء ومغازلة السكون، بقدر ما قادته إليه تجربته الرائدة في هذا المجال. إنها سمة في ابتكاراته. وإذا كان هذا يعكس حسن اختيار لديه، يتمثل في إرساء التخصص على قاعدة من المعارف التجريدية والواقعية المتنوعة والمتشعبة، فإن اختيار هذا النوع من المسالك في التشكيل قد أدى رسالة سامية انبثقت من نسيج مجاله التجريدي المنمق بشذرات الواقع والفن الواقعي من الخارج، بفضائه وبطقوسه الفنية. وحتى يكون تعبيره غاية لكل قارئ فإنه دائم البناء، يضيف إليه عناصر جديدة تطوره وتنميه باستمرار.