باليوم والتاريخ.. جدول امتحانات الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025 رسميًا في محافظة كفر الشيخ    غياب جماعي في مركز طبي بسوهاج.. والمحافظ يحيل 12 موظفاً للتحقيق ويستبعد المدير    بيطري كفر الشيخ: تحصين 43210 طيور متنوعة باللقاحات ضد الأمراض الوبائية    محافظ شمال سيناء يستقبل وفد مركز بحوث الصحراء    سوريا ترحب بتصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات عن دمشق    الأهلي يتواصل مع فنربخشة لضم عمر فايد (تفاصيل)    «بعد مكالمة ميدو».. نجم الزمالك السابق يرحب بالعودة للفريق    «التموين» تكشف حصاد جهودها الرقابية في الربع الأول من عام 2025.. تحرير 121 ألف مخالفة    السيطرة على حريق مخلفات بكورنيش النيل فى حلوان    إخماد حريق داخل لوحات كهربائية داخل 3 طوابق بالمريوطية دون إصابات    منال سلامة تكشف السر في دخولها الفن... وماذا قالت عن أبناء النجوم؟    أحمد فهمي يشعل الحماس: "ابن النادي" قريبًا على شاهد    أعراض ومضاعفات تسمم الماء.. المعاناة تبدأ ب 4 لترات وقد تنتهي بغيبوبة    رئيس «الرقابة الصحية» يزور مستشفى بئر العبد النموذجي تمهيدا لتطبيق «التأمين الصحي الشامل»    فحص 1140 مواطنا وصرف العلاج مجانا خلال قافلة طبية في السويس    جولة ميدانية لإدارة الطوارئ بمستشفيات منوف وسرس الليان لمتابعة جودة الخدمات الصحية    جدول امتحانات الترم الثاني للصف الخامس الابتدائي في الغربية    أستاذ علوم سياسية: إنهاء صفقة عيدان ألكسندر خطوة مهمة فى دعم القضية الفلسطينية    تطور جديد فى خلاف أبناء محمود عبد العزيز ضد بوسي شلبي    «بيئة العمل تحتاجهم».. 4 أبراج تترك أثرًا إيجابيًا لا يُنسى في أماكنهم    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    من الإعارة إلى التألق.. إيريك جارسيا "ورقة رابحة" في يد فليك    محبوس بكفر الدوار ومزور اسمه.. كيف سقط المتهم في جريمة شقة محرم بك؟    ترامب يدافع عن الطائرة هدية قطر: لست غبيا لأرفضها.. وقدمنا لهم الكثير من مساعدات الأمن والسلامة    أتالانتا ضد روما.. التشكيل الرسمي لقمة الدوري الإيطالي    أمينة الفتوى: هذه أدعية السفر منذ مغادرة المنزل وحتى ركوب الطائرة لأداء الحج    أمينة الفتوى: الزغاريد عند الخروج للحج ليست حراماً لكن الأولى الالتزام بالأدب النبوي    الأمم المتحدة: سكان غزة يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي    ما حكم إقامة العلاقة الزوجية أثناء الحج؟.. أمين الفتوى يجيب    نادية الجندي تخطف الأنظار بإطلالة شبابية جديدة | صورة    يونيفيل: العثور على 225 مخبأ للسلاح جنوبي لبنان    طلاب إعلام الاهرام الكندية تعيد فرقة رضا للجمهور ب إبهار تراثي عصري جديد    قطرة شيطان.. قتل خالته وسهر بجوار جثتها مخمورًا حتى طلوع الفجر (كواليس جريمة بشعة)    تأجيل إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية" لجلسة 10 يونيو    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    أسعار الحديد ومواد البناء اليوم الإثنين 12 مايو 2025    يُسلط الضوء على المواهب الصاعدة.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم تحت 17 سنة    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات كلية التجارة    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    رئيس الوزراء يتابع الاستعداد لتنفيذ قانون الرقم القومي العقاري    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مصادر: بورصة مصر تبحث قيد فاليو الأربعاء المقبل    العراق: الواقع العربي يتطلب وقفة جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    العمل: 45 فرصة للعمل في الأردن برواتب تصل ل 500 دينار    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    حالة الطقس اليوم في السعودية    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحس النقدي
نشر في نقطة ضوء يوم 06 - 05 - 2017

تلقينا تعليما يركز على التلقين والحفظ. واتخذنا المواقف الفكرية والإيديولوجية بناء على الأهواء والعواطف، فغاب عنا الحس النقدي في تلقي الأدب، خاصة، وأي خطاب عامة.
واضمحل عندنا الفكر النقدي في مجال الثقافة والإيديولوجيا. وكان من نتائج ذلك أننا نكرر ما نحفظ، ولهذا لا نبدع، حتى إن ادعينا أننا ننتج إبداعا. ولا نقرأ في ما نقرأ إلا ما نريده أن يتطابق مع أحاسيسنا وانفعالاتنا، وكل مخالف ضال. إن التربية التي لا تتأسس على تكوين الشخصية الخاصة تعطل الحس النقدي، والثقافة التي لا تدفع إلى التفكير تؤدي إلى تحييد الفكر النقدي. يبدو ذلك في سيادة المحاكاة والإنشاء في خطاباتنا، وعدم قبول الاختلاف في ممارساتنا.
التلميذ والطالب الناجح عندنا هو الذي يشغل ذاكرته فقط، وقد حولت إلى آلة تسجيل، وكل مهاراته الأخرى معطلة. والباحث يمارس العمل نفسه، فإذا هو يرتق ويرقع المواد، وليس له من «إبداع»غير توظيف لغة تعتمد على الإنشاء. كان لغياب توفيق بكار عنا إعادة تفكيري في موضوع الحس النقدي، فتساءلت مع نفسي والموت يتخطف من بيننا شخصيات ثقافية لعبت دورا كبيرا في التربية على الثقافة الجادة والفكر النقدي، ماذا سيبقى بعد اختفاء رموز ساهمت في طرح الأسئلة وتجديد النظر في النص، وتنشيط الحياة الثقافية؟
إن تونس التي أنجبت أبا القاسم الشابي ومحمود المسعدي، وجعلت كلا منهما يفرض نفسه في الواقع الثقافي في أوائل القرن الماضي وحتى منتصفه، جعلت توفيق بكار علامة بارزة في نصفه الأخير، فإذا هو يحجب غيره، كما فعل السابقان عليه، ويسهم في فرض وجوده على الجميع. وهذا لا يعني غياب علامات أخرى جعلت المشهد الثقافي والأدبي التونسي متميزا في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة.
تعرفت على السي توفيق في أواسط الثمانينيات، وظلت العلاقة مستمرة عبر اللقاءات ومن خلال متابعة كتاباته. وجدت في الرجل نبلا قلما نعثر عليه، وصدقا نادرا يدل على معدن نفيس. يبدو لك هادئا، ولكنه في هدوئه يحترق من الداخل. تلمس ذلك في كلامه الذي تتزاحم فيه الأفكار وتتوالد ولا تنفد. في العديد من المؤتمرات التي التقينا فيها، تجده مختلفا في سلوكه وكلامه وقوة ما يقوله. ألخص توفيق بكار في كلمة واحدة «الحس النقدي». هذا الحس لا يتمتع به الكثير من الأكاديميين والنقاد.
تشكل هذا الحس النقدي عند بكار من ثقافته العميقة، فهو متمكن من التراث العربي القديم، يحفظ الشعر، ويمتلئ بالأخبار، ومطلع على تطور الثقافة العربية الإسلامية. وفي الوقت نفسه يمتلك اللغة الفرنسية بشكل جيد، ما جعله يستوعب الأدب الفرنسي في أهم تياراته، ويتمثل النظريات الأدبية الحديثة تمثل خبير. سمح له الجمع بين هاتين اللغتين وثقافة كل منهما أن يستمد من الأولى روح لغتها الجميلة وبيانها، ومن الثانية عمق الأفكار التي تعج بها. يبدو ذلك جليا في لغته العربية، سواء ارتجل أو كتب. فإذا هو يمتلك ناصية العربية مدركا مكامن جمالها وقوتها التعبيرية. وفي الوقت نفسه يجد تلازما بين ما تؤديه العبارة من مبنى ومعنى ينقلك من الظاهر إلى الباطن، ومن المتداول من الأفكار إلى ما ينفرد به، ويختلف به عن غيره.
في كتابات الكثير من الباحثين التونسيين نجد آثارا لتوفيق بكار، سواء على مستوى لغة الكتابة أو مناهج التفكير. ولقد وجدتني في الكثير من المرات، أقارن بين توفيق بكار في تونس، وأحمد اليبوري، فكلاهما حين تراه صامتا تخاله لا يتكلم. وحين ينتهي من الكلام، تحس أن لديه أشياء كثيرة لم يعبر عنها، ولذلك كان كل منهما مقلا في التأليف، ولكن الأجيال التي أثرا فيها لا عد لها.
ساهم توفيق بكار في تجديد الفكر الأدبي العربي بدروسه وكتاباته. وفي «مقدمات»، و«شعريات»، و«قصصيات» تجد مرجعية معرفية ونظرية جديدة يتمثلها جيدا، لكنه يضعها في الخلفية. قد تطفو بين الفينة والأخرى، ولكنها تظل مستترة لا يميزها إلا من خبرها. وينطلق على غرار عبد الفتاح كيليطو من الانكباب على النص مستكشفا، ومتتبعا ما يمكن أن يولده منه مستعينا بذائقته الفنية، وثقافته الموسوعية، وبكلمة ب«حسه النقدي» الذي لا يمكن أن يجاريه فيه أحد، فإذا بك أمام عوالم لا تخلو من متعة فكرية ولغوية. مقارنتي بكار باليبوري وكيليطو يكشف بالملموس أن الثقافة العربية حين تغتني بالثقافة الأجنبية، وهذا ما يشترك فيه هؤلاء الثلاثة، إلى جانب الهدوء والصمت واحترام الآخر، باعتبار ذلك سمات شخصية، لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تكوّن حس نقدي متفرد، وفكر نقدي قائم على إبداعية متأصلة، وعلى قدرة على التواصل مع الجميع.
خصوصية بكار ومميزاته الثقافية لا يمكن حصرها، ولعل «عيون المعاصرة» السلسلة التي كانت مقدماتها دروسا في تنمية الحس النقدي العربي، لا يمكن إلا أن تجعل فقدانه يدفعنا إلى التساؤل عن «الحس النقدي» العربي وعن مآله في الواقع العربي الذي يدمر كل حس، ويعطل أي فكر؟ فالحس النقدي ليس إلا وليد الفكر النقدي.
....
ناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.