الاقتناء هدفُ معرضِ "لوحة لكل بيت" – كما في العنوان- وفي دورته الثالثة (18 أيلول-1 تشرين أول) يستمر في حرصه على امتلاك محبي الفن التشكيلي لأعمالٍ صاغها 106 فنانا مصريا، أتوا من اتجاهات ومدارس فنية مختلفة، ما أثرى قاعاتِ "مركز الجزيرة للفنون" بتكويناتٍ ومفرداتٍ فنية توزعت بعناية، مُشكلةً أيضاً لغةً للتواصل وتبادل الخبرات بين التشكليليين واستقطاب المتلقي للمشهد التشكيلي المصري. ما يزيدُ عن 200 عمل نابض بالإبداع والابتكار يقدمها المعرض برعاية نقابة الفنانين التشكيليين وقطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، شملت الأعمال مجالاتٍ فنيةً عدّة (التصوير، النحت، الخزف، التركيب والتجهيز في الفراغ)، كان الإنسان محورا لأغلبها. لوحاتٌ ومعالجات تحكي علاقة الإنسان بذاته وبالمحيط، ما يغني خيال المتلقي ويفتح أفقه على عتبات ربما كانت خفية، في حين تؤكد له هذه الرؤى البصرية أن مصر هي مهد الفن، الأمر الذي لا يغيب عن أحد، بدليل الرسوم والنقوش والألوان التي ماتزال حتى اللحظة على جدران المعابد والمدافن. حمدي أبو المعاطي نقيب الفنانين يؤكد أن هذه الدورة اقتصرت المشاركة فيها على الفنانين الأعضاء في نقابة الفنانين التشكيليين مضيفا ل "السفير" أن لا مكان للهواة الذي استحوذوا مساحات خاصة لهم خلال الدورتين السابقتين، معللا ذلك لضيق مساحة العرض والتأكيد على أهمية انتساب الفنان للنقابة. "يشكل المعرض فضاءا داعما للفنانين التشكيليين تقيمه النقابة بهدف تسويق المنتج الفني، إلى جانب المساهمة في نشر الثقافة التشكيلية في المجتمع المصري عبر توفير عمل فني -لوحة، تمثال، قطعة خزفية- بسعر رمزي يمكن أن يضيف قيمة جمالية لأي بيت، في محاولة لردم الفجوة بين الفن التشكيلي والمتلقي والتي عززها المنعطفات والتغيرات التي عصفت بنا خلال السنوات الأخيرة". المعرض يختزل الحركة التشكيلية الفنية في مصر بكل اتجاهات ومدارس الفن تضمنت المعرض من الكلاسيكية وصولا إلى التجريدية، يؤكد شريف عبد البديع "قومسيير" المعرض لافتا ل "السفير" أن المعرض تضمن معظم وجهات النظر التشكيلية وجميع الخامات من البرونز للنحاس المطروق والخشب والحجر. "هذه الفعالية جسر يربط بين الفنانين خاصة أنه يستوعب عددا كبيرا وصل 300 فنان في الدورات السابقة، كما يربط الفن التشكيلي بالمتلقي من خلال حرص المعرض على تأمين أعمالٍ فنية ضمن إمكانات المواطن المحب لمفردات الفن، فتبدأ بعض الأعمال من 2000 جنيه –حوالي 200 دولار-". كيانات مستقلة رغم محاولاتِ وزارة الثقافة دعمَ المعرض من خلال شراء بعض الأعمال، إلا أن قومسيير المعرض يأمل أن يعمل الفنانين التشكيليين ضمن كيانات مستقلة خارج عباءة الوزارة، معللا بأن التهميش والإهمال هو عنوان المرحلة الحالية للفن التشكيلي في مصر في ظل القلقلة التي تعيشها البلاد خلال العقدين الأخيرين والتي أدت إلى تفشي الجهل والتطرف وغياب الوعي الثقافي. يعود عبد البديع إلى ستينيات القرن الماضي عندما "توهج الفن التشكيلي في ظل رعاية وزارة الثقافة التي حققت إنجازات وافتتحت العديد من المتاحف آنذاك، الأمر الذي أثمر فنانين شكلوا علامات في تاريخ الفن المصري وماتزل لوحاتهم تباع حتى اللحظة بملايين الجنيهات، أما الانفتاح الاقتصادي نهاية سبعينيات القرن الماضي فقد أرخى بثقله على الثقافة المصرية التي تسطحت في جميع قطاعاتها، حتى السينما اتجهت نحو التجارية وضيق الأفق" آملا أن يبذل الفنانون اليوم مزيدا من الجهد لإعادة الألق للفن التشكيلي، فالفنان ليس بمنأى عما يحدث خاصة أنه يقوم بإعادة تشكيل الواقع وفق مفرداته ورؤيته". المرأة كانت حاضرة في المعرض وقد خصص لها الفنان علي حبيش -رئيس قسم النحت في جامعة الإمارات- ثلاثة منحوتات، تمثال حرية المرأة وقد شكّله من الخشب، وآخرَين من البرونز (الترس، والمرأة الهرم)، يعلل حبيش اهتمامه بالمرأة لكونها قوة جبارة لايستهان بها، وهي واهبة الحياة منذ أيام الفراعنة حتى الآن، فلا بد من التذكير بعظمتها عبر تكويناتٍ وأعمال تدل على جمالها وقيمتها، لافتا إلى أن الطاقة المنبعثة من الفنان هي التي تحدد المدّة التي يستهلكها العمل، فثمة منحوتات يصوغها في أيام وأخرى قد تستهلك سنوات من الوقت. يضيف حبيش أن الفنان التشكيلي المصري استطاع رغم جميع الضغوط أن يصيغ الواقع برؤى فنية وبصرية تضعه على قمة المجد، تشهد على ذلك الإيقونات الماثلة في المتاحف المصرية والتي تحكي تاريخ الفن القبطي والقوطي والهيلنستي، لافتا إلى قدرة الفن على اختزال الواقع والتاريخ، مستحضرا تجربة بيكاسو الذي اختصر الحرب الأهلية الإسبانية بالجورنيكا، اللوحة التي أضحت أيقونه فنية استقطبت أنظار العالم لمعاناة الإسبان في ثلاثينيات القرن