وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة إلى الجذور وإشكالية الحداثة
نشر في نقطة ضوء يوم 20 - 09 - 2016

ثمة حضور للذات المبدعة، إلى جانب التوجه الثقافي والمعرفي، في بعض الكتابات النقدية الجديدة التي تحاول شق طريقها نحو تأسيس تيار مغاير من تيارات الكتابة، تلك التي يجمع فيها الناقد بين ملكته الإبداعية كمبدع بالأساس والروح الناقدة فيه، إضافة إلى سعة اطلاعه، ورصيده من التعاطي مع تجارب الآخرين. وهو ما قد يخرج بهذه الكتابات عن النسق المرجعي المتشدد أو النظريات النقدية التي تتخذ القوالب والأنماط ملاذا لها، ما قد ينتج عنه في أحيان كثيرة وقوع في وهدة الجفاف والظلم للنص الجديد الذي ربما اكتسب مرجعياته من ثقافات أو أطر مغايرة قد يكون لزمن الكتابة وإشكاليات وجودها دور في ظهورها على السطح، أو دون الرجوع إلى سلطة النص، بما قد يفرض آليات جديدة للتعامل مع الظواهر النصية الجديدة.
فالعلامات الفارقة في الأدب العالمي أصبحت تتطلب الكثير من التدفق المعرفي والثقافي المقترن بالتأكيد ببعض المرجعيات التي ربما كانت علامات مختلفة ومائزة في سعيها نحو اللامحدود من الفكر المقترن بالإبداع، والتي لا يخلو منها التراث الإبداعي والنقدي. ومن خلال هذه المراوحة التي تستقي من القديم بقدر ما تتطلع إلى تلك الرؤية التي تقترب من مفهوم الحداثة بمعناها الزمنى أو الآني المرتبط.
ما قد نجد ملامح منه في إطلالات "العودة إلى الجذور" للشاعر والناقد الشاب عاطف الحناوي، في أول إصداراته النقدية، أو إبحاره المعرفي الثقافي المنطلق من إبداعه وحرفيته القادرة على سبر الغور، من خلال محاولات تعاطيه نقديا ومعرفيا صنوف الأدب من شعر فصيح وعامي وسرد، وانفتاحه على العالم الإبداعي لعدد من المبدعين..
***
ربما عبر الكاتب من خلال نموذج طرحه لرؤيته لرواية "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شافاق التي ذاع صيتها في الفترة الأخيرة، جامعًا بين هذه السمة المتطلعة للمنجز الثقافي الجديد بتحولاته ومعطياته، وربما حداثته التي فرضها عامل الزمن والتقنية وزمن الرواية، إضافة إلى زمن السرد في مطلع القرن الواحد والعشرين، وهذه الجذور التاريخية التراثية بما تفرضه آليات القرن الثالث عشر والرابع عشر، أو الفكرة الإبداعية التي جمعت بين الإطارين أو المستويين الزمانيين والمكانيين، وتوازي خطوط السرد وتطابقها على مدار الرواية الضخمة التي ربما انقسمت إلى روايتين، أو العديد من الروايات التي تتبع أصحابها من خلال المتن الأكبر للرواية التي تعبر رواية روايات بالمعنى التقني الحديث.
"قواعد العشق الأربعون رواية جماعية الأصوات، لم يروها شخص واحد، بل مجموعة رواة ووجهات نظر متكاملة مثل موجات صغيرة أو نهيرات صغيرة كما أسلفنا، موجة تتبع موجة فتشكل بساطا من الماء يمكن استشفاف ما وراءه بسهولة، عبر لغة شاعرية امتلكت قوة النفاذ إلى الروح البشرية، في تجليات شخصياتها المثيرة جدا".
فالمفارقة تأتي هنا في الجمع بين البحث عن الجذور، والإحداثيات التي تفرضها الحالة الآنية بمستجداتها، ما يعكس هذا الحس الإبداعي الذي أشرنا إليه، والذي يقود العملية الاستقصائية للنص بروح صانعة للإبداع، تملك ترمومتر إحساسها بقيمة الكلمة، وهو ما يتسق إلى حد بعيد مع فكرة الكتاب أو توجهه، وطموحه نحو معانقة الفكر والفلسفة والإبداع والتاريخ، والمعرفة في سياقاتها المتعددة والمتخللة لكل تلك العناصر، والتي يقول عنها الكاتب في موضوع آخر:
"إن (قواعد العشق الأربعون) رواية نتجت عن المعرفة العميقة بحقائق الأشياء، وبدون معرفة حقيقية فلا إبداع على الإطلاق، فالمعرفة هي الإدراك والوعي وفهم الحقائق، أو اكتساب المعلومة عن طريق التجربة، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم، المعرفة مرتبطة بالبديهة والبحث لاكتشاف المجهول وتطوير الذات وتطوير التقنيات".
فالعلاقة بين المعرفة وعنصر الزمن الذي يضرب في أغوار التاريخ والتراث، هي علاقة أزلية بين الجذور والحداثة، ولكن بمفاهيم قد تختلف إلى حد بعيد مع تلك المفاهيم التي صيغت بها العلاقة قديما، فالثورة التكنولوجية التي قربت الاتصالات بين البشر والتي تلوح في النص الروائي من خلال السرد في مرحلته الحالية والانترنت والشبكات الجوالة قد خلقت هذه المساحة الشاسعة والفارق التقني الذي لم يستطع أن يفصل الروح السارية في الأثير، فاللأرواح تكاد تكون متطابقة، والقيم والمثل والمعايير الإنسانية هي كما هي لم تتغير ولم ينضب معينها لتصير الرحلة إلى الجذور بهذه المفاهيمية رحلة إلى الحاضر وإلى المستقبل، كي تترسخ ذات القيم ويعاد إنتاجها من جديد في أثواب جديدة أكثر عصرية وأكثر قدرة على اختراق الزمن
ولعل ما جاء في سياق الطرح في قول الكاتب، ترسيخا لمفهوم العودة إلى الجذور:
"اعتمدت الرواية على طريقة السرد الدائري، والزمن الدائري هو الزمن الذي يقوم على أساس ابتداء أحداث الرواية بشئ من أحداث النهاية فيها، وهذا النوع من الزمن له جذور في التراث السردي العربي، فهو يعد أهم تيمة من تيمات ألف ليلة وليلة، وقد استمد هذا الاتجاه في سير الزمن من التصور القديم للزمن، فقد تصور كل من الإغريق والهنود والحضارات القديمة أن الزمن دائري، أي متكرر على هيئة فترات منتظمة، وهذا التصور ربما يكون مستمدا من الكون نفسه الذي هو بالتالي دائري".
***
وهو ما يحيل وبشدة إلى سؤال قد يفرض نفسه عن ماهية العلاقة بين الحداثة بمفهومها التجريدي الغامض أو الغموض للغموض فحسب، والحالة الإبداعية المستمرة أو دورة الحياة التي لا تتوقف عن الدوران لتأتي ربما فيما تأتي به، حتما بجديد مغاير، تبعا للمتغيرات والإحداثيات الجديدة الموَّارة لعنصر الزمن أو عملية التحديث المستمرة التي هي سنة الحياة، وأيقونتها المتحركة في فضاءاتها بحسب المسميات والتقنيات الجديدة، وبين هذه النظرة العدائية التي يطلقها الكاتب في معرض حديثه عن الحداثة، والعلاقة بينها وبين الجذور التي ربما حاولنا سبر غورها من خلال هذا الاشتباك مع طرحه لنموذج قواعد العشق في معادلة اتزانه ما بين الحداثة والتراث أو الجذور في مفهوم الكاتب أو وعيه.
حيث يثير الكاتب في معرض حديثه التأسيسي عن "العودة إلى الجذور":
"أرى أن تيار الحداثة سيقف حتما، وسنرجع لجذورنا نستمد منها وهجا جديدا ودافعا جديدا للحياة والخروج بالأدب واللغة من مأزقها الصعب".
ما يجعلنا قد نتعارض مع ذاك الطرح، فأي حداثة تلك التي يرمي إليها الكاتب؟
فليس معنى الحداثة منحصرا في الغموض والإلغاز ولا الطلاسم التي قد يأتي بها بعض مدعي الحداثة أو الخارجين عن روح الأدب لا عن قواعده، لإيماننا أن لا قواعد في الفن إلا الفن ذاته والإبداع المتجدد، فالفن هو الذي يجدد ذاته ويحدث ذاته، والمرتبط بنوع من الحداثة ربما اقترب منه النموذج الذي أشرنا إليه. وما تفرزه القريحة والذائقة وتسمو به باعترافها به بشكل ما أو بآخر، فهي التي تحرك الراكد في مياه الإبداع، وليس شرطا أيضا أن ننسلخ عن جذورنا التراثية والتاريخية كي نكون حداثيين، فالتراث في زمنه ومضمونه العابر للزمن كان حداثيا بشكل ما أو بآخر، وكان جديدا وفاعلا في زمنه، وما خلده الزمن والتاريخ صار نوعا من الحداثة التي تجدد ذاتها.
ناهيك عن الأعمال التي ربما تواترت كي تصنع هذا الجدل وهذا النقاش غير المجدي وإثارة فقاقيع في سطح آسن، فلا تمنع الجذور من تقديم رؤية فكرية وجمالية تلتحف بموضوع يهتم بالحالة الآنية، بإحداثيات وآليات التعامل مع النص بحرفية تتواكب مع كل ما هو جديد. ولا يمنع الجديد من أن يستحوذ على روح المسك التي تنبعث من الجذور فبديع البيان لا ينتقص قدره، وأدوات الكاتب من لغة وتراكيب تلتزم معايير الجمال، في كثير مما تجود به القرائح الإبداعية التي تقع في دائرة حداثتها الآنية.
ولكل تجربة كما أورد الكاتب في معرض تحليله لبعض النصوص تطبيقا لهذه الرؤية، نقاط ضعفها وقوتها وغموضها وإلغازها، والتجاور دائما هو ما يصنع الفروق ويوضح إلى أي مدى تكون الحداثة غير مجحفة، في وجود قيمة الجذور، وتكون الجذور بتراثها وتاريخها غير ملزمة وغير مكبلة لحركة الإبداع التي ينبغي أن تتحرر قليلا كي تثبت مصداقيتها وجدارتها بمواكبة الجديد مع الحفاظ على الجذور. وهو الصراع الممتد بين كل ما هو جديد وقديم. قد تظهر في منطقة الما بين بين أنصاف المواهب التي قد تثير هذه الأغبرة التي ربما طالت أول ما طالت مصطلح الحداثة بالمفهم المغلوط له، والالتصاق فيه! بحسب تعبير الكاتب.
***
هي تجربة مع الكتابة النقدية، بعد ممارسة إبداعية متحققة إلى حد بعيد، قد تصقلها الكثير من المتابعات النقدية الأخرى المتخصصة التي تعتمد منهجا أكثر تحديدا، أو التصاقا بمفهوم الجنس الأدبي الواحد، حيث تنمو القدرة على الولوج في إشكالياته، وما يموج به الفن من تغيرات وإرهاصات ونتائج، قد ترفد الحياة الأدبية والنقدية بصوت نقدي واعد يتسلح بأدواته، وهي أيضا تؤشر مؤشرا صحيا على علاقة المبدع بالنقد، والناقد بالإبداع فلا انفصال بينهما؛ فلعل أهم الكتب التي أفادت في تقنيات الكتابة كانت لمبدعين أثروا الحياة الأدبية بإبداعاتهم، كما أثروها نتاجا لهذا التلاقح الفاعل مع الفن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.