فيلم “أداما” الذي احتفى به أخيرا ملتقى القاهرة الدولي للرسوم المتحركة، يكشف اللثام عن بعض وقائع مأساة التجنيد القسري للآلاف من الأفارقة من سكان المستعمرات الأوروبية التي صاحبت الحرب العالمية الأولى. ويعد الفيلم واحدا من أبرز أفلام التحريك ذات الإنتاج المتوسط التي تم إنتاجها على المستوى الأوروبي خلال العامين الماضيين، الفيلم تم إنتاجه عام 2015 وأخرجه الفرنسي روبي سيمون. ما يميز الفيلم هو اعتماده على عدد من التقنيات والممارسات الفنية التي مزجت بين المعالجات ثلاثية الأبعاد وثنائية الأبعاد، وكذلك بين التأثيرات المرسومة والمُخلقة داخل الاستوديو. وخلافا للتقنية المتبعة في صناعة الفيلم، تأتي قصته المشوقة كأحد عوامل نجاحه وإبهاره، حيث تدور أحداث الفيلم في بداية القرن العشرين في وقت استعار الحرب العالمية الأولى حول صبي في الثانية عشر من عمره “أداما”، يحاول العثور على أخيه الأكبر الذي اختفى من القرية. تبدأ الأحداث داخل إحدى القرى النائية التابعة لإحدى المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا، حين تكتشف القبيلة اختفاء أحد أفرادها “سامبا”، وفي محاولات مضنية للعثور على أثر له يتوصل أداما -وهو شقيقه الأصغر- إلى أن أخيه قد اختطف للمشاركة في الحرب الدائرة في أوروبا، حينها يقرر أداما عبور البحر للبحث عن أخيه، ليجد نفسه في النهاية في مواجهة الجحيم وسط أهوال الحرب الدائرة هناك. أثناء مغامرته الاستثنائية يكتشف أداما ويلات الحرب، ويقدم لنا تجربة شيقة من مشاعر الحب الأخوي، وعلى الرغم من اعتماد الفيلم على وقائع حقيقية، إلاّ أنه قدم لنا مزيجا بين الواقعية السحرية والرومانسية والأحداث المتشابكة ذات النهايات المفتوحة البعيدة عن الخلطة الأميركية المألوفة في مثل هذا النوع من الأفلام، والتي تتميز عادة بالنهايات المحددة. تبلغ مدة عرض الفيلم 82 دقيقة وقام بالأداء الصوتي لشخصية أداما أزيزي عبدالله وهو طفل فرنسي من أصول أفريقية، وبلغت ميزانية الفيلم أربعة ملايين يورو (حوالي أربعة ملايين ونصف المليون دولار)، وهي ميزانية منخفضة بالنسبة إلى فيلم رسوم متحركة بهذا القدر من الاحترافية. يحمل الفيلم مستويات عدة، فهو مبني على مغامرة سهلة المتابعة والاستيعاب من قبل الصغار، بينما يتضمن سياقه العديد من المعاني الاستعارية والضمنية التي تتجاوز الكثير من أفلام الحركة والمغامرة التي تستهدف البالغين. الحركة هنا، تم توظيفها بمهارة في مشاهد الحرب والجموع والمطاردات، اعتمادا على المنحوتات الممسوحة ضوئيا والمعالجة عبر برامج الغرافيك والتحريك، والعديد من التقنيات البسيطة الأخرى التي تم ابتكارها، لخلق مؤثرات مبهرة لمشاهد الوديان والجبال وتعابير الوجه، ليخوض المشاهد مع أحداث الفيلم رحلة بصرية ممتعة عبر الطبيعة الأفريقية التي تشبه لوحات انطباعية، إلى صور المدنية المنهارة على وقع الحرب في أوروبا المدمرة. شمل حفل الافتتاح الإعلان عن الأعمال الفائزة، إذ فاز بجائزة العمل الأول فيلم “صولو” وهو من إخراج المصرية نيرة الصروي، أما الجائزة الثانية ففاز بها فيلم “الصندوق” للمخرج المصري أيضا عمرو عبدالوهاب. وفي مسابقة الأفلام القصيرة فازت الروسية دينا فيلياكوفسكايا من خلال فيلمها “الأم” بالجائزة الأولى، بينما فاز الجزائري إيفاز معطوب بالجائزة الثانية عن فيلم “براءة”، وفي مجال المسلسلات فاز مسلسل “الأزهر” للمخرج المصري معوض إسماعيل بالجائزة الأولى، و”مسلسل حبيب الله محمد” بالجائزة الثانية. وفاز البولندي فودجتش سوبجيك بجائزة الإبداع التجريبي عن فيلم “صيف 2014”، كما منحت لجنة التحكيم شهادات تقدير عن أحسن سيناريو للفيلم البيلاروسي “الربيع في الخريف”، وشهادة أحسن موسيقى للفيلم الفرنسي “ليلو”، وشهادة تقدير في مجال الديكور للفيلم المصري “الدليل”، وحصل أيضا الفيلم البولندي “صيف 2014” على شهادتي تقدير لأفضل تحريك، وأفضل فكرة، وأخيرا شهادة تقدير للفيلم البرتغالي “مراقبة الطيور” كأفضل تصميم.