ما الذي يجعل رواية مثل "فتاة من ورق" للروائي الفرنسي الشاب غيوم ميسو تنال كل هذه الشهرة في بلد الكاتب وفي العالم وتبلغ مبيعاتها ملايين النسخ، ويتم ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة من ضمنها اللغة العربية، ويتم تداولها بين أوساط الشباب بالتحديد، وتنال وكاتبها شهرة واسعة على الرغم من بساطة فكرة الرواية واقترانها بموجة الكتابات الرومانسية التي تخاطب وجدان الشريحة الشابة من القراء. في روايته الثانية بعد رواية "وبعد" يتعرض غيوم ميسو إلى ما يمكن تسميته "القفلة" لينسج من خلالها أحداث "فتاة من ورق" التي يتماهى بين سطورها ويتشابك الخيال مع الواقع، أو الخيال المركب، فشخصية الرواية امرأة من ورق تخرج من بين الكلمات لتمارس دور المنقذ للكاتب. طوم هو بطل الرواية وهو كاتب مشهور يقع في قصة حب فاشلة، ويعاني كثيرا من نتائجها ويحاول أصدقاؤه مساعدته وإخراجه من جو الكآبة واليأس لكنه يظل قابعا في دوامة الحزن ومرارة الفشل حتى تخرج إليه الفتاة الورقية من بين حروف روايته التي كان يكتبها ولم يتمها وتغير مجرى حياته "مبللة وعارية تماما، ظهرت على شرفتي في عز ليلة ماطرة، من أنت؟ سألتها وأنا أقترب متفحصا إياها من أعلى إلى أسفل، قد سقطت... سقطتِ من أين؟ سقطتُ من كتاب.. سقطتُ من حكايتك، هكذا". فيقع في حب فتاته التي صنعها من خياله وبخياله، وتقف بيلي وهو اسم الفتاة بجانب صانعها وكاتبها وتنقذ قلبه من الحزن وتشجعه على استعادة الثقة بنفسه من أجل إكمال الرواية التي تركها بعد أن خذلته حبيبته. تخترع بيلي قصة وتحاول إقناعه بها من أجل أن يكمل الرواية، فتقول له إنها سوف تموت إن لم يتم الرواية لأنها تنتمي إلى عالم من خيال ومن ورق صنعه الكاتب وأن حياتها تتوقف عليه فإن أكمل الرواية عاشت، وإن توقف ماتت وانتهت كما لو أنها لم تكن يوما. يصدق طوم رواية فتاته وأنها ربما تموت إذا لم يكمل الرواية، ويعيش الكاتب والفتاة مغامرات وأحداثا كثيرة لتتحول الرواية في نهايتها إلى ما يشبه التشويق البوليسي، وتتوقف حياة بيلي على النسخة الاخيرة من الكتاب التي تضيع بين أيدي قراء كثيرين ويتم البحث عنها في أسلوب بوليسي شيق حتى لا تفقد الفتاة حياتها، ومن قارىء إلى آخر تتنقل النسخة الاخيرة حتى تصل إلى كاتبها وبهذا تأخذ الفتاة فرصتها الكبيرة في الاستمرار على قيد الحياة مع كاتبها. هذه باختصار أحداث الرواية التي نالت انتشارا كبيرا بين القراء العرب بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، وبلمحة سريعة على المختصر نستطيع أن نلاحظ بساطة محتوى الرواية، واعتمادها على قصة حب بين كاتب وبطلة روايته. وغالبا تكتب مثل هذه الأعمال الروائية وفي تصور الكاتب أن يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي كما حدث في روايته "وبعد" فالقصة التي تناولتها الرواية مبينية على تخيل مشهد بصري فيه أكثر من صورة، كاتب يكتب عن كاتب وفتاته في أكثر من حالة وتصور يجعل القارىء يصدق تماما لعبة الخيال، ولا يميز بي الفتاة المجسدة كحبيبة للكاتب وبين شخصية الرواية التي توقفت حياتها على إكمال الرواية في البداية وثم إيجاد النسخة الأخيرة من الكتاب التي منحتها حياة مستمرة. وإذا دقق الباحث أو القارىء أو المهتم في أغلب الروايات التي ارتفعت مبيعاتها والتي نالت انتشارا وشهرة واسعة مثل هذه الرواية وغيرها من روايات الكاتب نفسه، يجد أن محتواها يقوم على المعجزة وعلى الامل ففي هذه الروايات ما يبحث عنه القارىء الذي اعتاد على قراءة الخراب والدمار والتاريخ المحاكى عبر الأدب، خاصة في السنوات الأخيرة فقد انحاز الادب كثيرا إلى السياسة واستقى موضوعاته منها بكل إسقاطاتها الكثيرة، لكن غيوم ميسو وغيره من كتاب هذه الموجة من الروايات أبعد القارىء عن العنف والمعاناة والقسوة ونقله إلى عالم تتحقق فيه المعجزات، ويسود فيه الأمل حتى لو كان أملا يخرق طبيعة الحياة أو أملا غير منطقي لكنه يتحقق في النهاية، مانحا القارىء سعادة مستعارة لكنها كفيلة بجعله ينحاز إلى مثل هذه الروايات، ليحيل إليها بعضا من قتامة الواقع ويظل كقارىء عالقا بالأمل، الأمل الذي يأتي في الصفحة الأخيرة من الرواية ويغير وجه العالم.