تنطلق 22 مايو.. جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة أسيوط    عمال شركة الشوربجي يواصلون الإضراب عن العمل ويطالبون بزيادة المرتبات    رئيسة "القومي للمرأة" تشارك في مؤتمر "مشروع تعزيز الحوكمة المرتكزة حول المواطن في مصر"    مركز السينما العربية يمنح جائزة الإنجاز النقدي للناقد العراقي عرفان رشيد والقبرصي نينوس ميكيليدس    الجيش الباكستاني: ضربنا 26 هدفا ومنشأة عسكرية بالهند في عمليات يوم 10 مايو    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    «الاعتماد والرقابة الصحية»: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي في شمال سيناء ضمن أولوياتها    معاريف: نتنياهو طالب في الكنيست بالتوقف عن الاعتماد على المساعدات الأمريكية    قيادي بحماس يكشف عن مفاوضات مباشرة مع أمريكا لوقف إطلاق النار بغزة    طارق حامد يقود ضمك ضد الرائد في الدوري السعودى للمحترفين    محلل اقتصادي: واشنطن تسعى لتحالفات بديلة لمواجهة نفوذ بكين المتصاعد    آلاف يتظاهرون في عدة مدن ألمانية تنديدا باليمين المتطرف وحظر البديل    مانشستر يونايتد يتحرك لضم تاه وسط منافسة أوروبية    الشوط الأول| زد يتقدم على مودرن سبورت بثنائية    بث مباشر.. مدبولي يستقبل 150 شابًا من 80 دولة ضمن النسخة الخامسة من "منحة ناصر"    محمد أنور: مصر أقدم من أمريكا في الجولف.. ونتعاهد على عودة الريادة للفراعنة    بعد الدفع ب 3 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مخزن الخردة ببلبيس (صور)    العثور على جثة مجهولة مكبلة اليدين داخل سيارة في بني سويف    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    إحالة أوراق عامل للمفتي لاتهامه بإنهاء حياة 3 أشخاص بسوهاج    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    البترول تنفي وجود تسريب غاز بطريق الواحات.. لا خطر في موقع الحادث السابق    ماذا قال طه دسوقي عن تكريمه في مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما؟    آدم البنّا يطرح أغنية "هنعمل إيه" مع مدين وتامر حسين- فيديو    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    فى المؤتمر المشترك الأول لكليات ومعاهد الإعلام :الأمية الثقافية تهدد مستقبل الإعلام العربى    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    محافظ الغربية: إطلاق أكبر قافلة طبية علاجية بمركز قطور    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: إسرائيل تشن ضدنا حرب إبادة إعلامية    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    استعدادا لختام تصفيات كأس العالم.. منتخب السعودية يلاقي الأردن في ودية سرية    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش .. في ذكرى الرحيل
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 10 - 2013

أتى شهر سبتمبر حاملا معه ذكرى رحيل الشاعر محمود درويش الذي غيبه الموت في التاسع من أيلول عام 2008،رحل عن عالمنا درويش مخلفاً روحه المتوهجة وصوته الخالد في كلماته وقصائده، فالإنسان يرحل لكن الإنسانية خالدة باقية، ولا ننسى كلماته أثناء استلامه الجائزة حين وجه شكره لكل الشعراء السابقين والمعاصرين؛ لأنه نتاج لكل ما قالوه وثمرة لكل ما أبدعوه، ومن ثم فالفضل يرتد إليهم.
محمود درويش يعتبر من أهم الشعراء العرب الذين امتزج شعرهم بحب الوطن والحبيبة وترجمت أعماله لما يقرب من 22 لغة وقد فارق الحياة عن عمر يناهز 67 عاماً حيث ولد في قرية البروة في عام 1942، عاش حياة مشردة ما بين فلسطين ولبنان ومصر وفرنسا .. كما اعتقل ثلاث مرات، لقب ب"شاعر القضية الفلسطينية" و"شاعر المقاومة" و"شاعر فلسطين".ويعتبر أحد الرموز المهمة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية، وقد أعطى القضية الفلسطينية طابعاً ثورياً بكتاباته على حد وصف بعض دارسيه، كتب عنه الكاتب الإسباني "خوان غويتسولو" مقالا ذهب فيه إلى أن درويش أحد أفضل الشعراء العرب في القرن الحالي, ويرمز تاريخه الشخصي إلى تاريخ قومه، كما رأى أنه استطاع تطوير هموم شعرية جميلة ومؤثرة احتلت فيها فلسطين موقعاً مركزياً، فكان شعره التزاماً بالكلمة الجوهرية الدقيقة، وليس شعراً نضالياً أو دعوياً، هكذا تمكن درويش، شأنه في ذلك شأن الشعراء الحقيقيين من ابتكار واقع لفظي يرسخ في ذهن القارئ.
قوة الحياة
وعن إيمانه برسالته ودوره قال درويش عن مقاومة الحصار والاحتلال: "لم تكن لدي طريقة مقاومة إلا أن أكتب، وكلما كتبت أكثر كنت أشعر أن الحصار يبتعد" .ويقول عن جدوى الشعر: "أنا سعيد جدا لأن شعري يمنح بعض التعويض الجمالي أو النفسي لمن حرموا من الحرية ولمن حرموا من الاستقلال ولمن حرموا من ممارسة الحياة في كثير من البلدان، والشعر دائماً يحمل شيئاً من العزاء أو شيئاً من التعويض، فعندما يصل شعري إلى هذا المستوى من الآخر أشعر أني لا أكتب عبثاً وأشعر أن هناك جدوى وضرورة للشعر".
استطاع درويش في شعره أن ينقي الكلمة من تراثيتها وأن يجعلها تنفتح على الواقعي والعصري بل استمدها من تراب الوطن وخيام اللاجئين ونضال المجاهدين، وحاول أن يقدم تركيبة ذات ثلاثة أبعاد: بعد ماضوي وبعد عصري, وبعد كوني، واتسمت قصائده بالحس الإنساني وأنسنة لحظة الحرب والمقاومة والنضال والخروج بدلالات إنسانية عميقة من رحم الحرب والاحتلال، ومن ثم حول الشعر من شعر خطابي إلى شعر سياسي، نقله من المنبر إلى تراب الوطن، جذبه من التراث ليسير في الشارع والطرقات، ومن ثم جاء معجمه الشعري جديداً في تركيبه ومفرداته ورؤيته وجاء مذاقه مذاقاً خاصاً، ومرت تجربته الشعرية بكثير من المحطات والمتغيرات والألوان، ونجد فيه تعدد الحساسيات الشعرية من شعر شبه مباشر إلى شعر بعمود إلى شعر إصغاء إلى الحواس إلى شعر ينتبه إلى أسئلة الوجود.
درويش لم يتجمد عند ذائقة شعرية معينة، بل قدم شعراً أكثر تركيباً وأكثر انتباها للحظة المعيشة، ولمقتضيات التغير الجمالي، ولذا يقول عنه بعض الكتاب في حماس وإعجاب: "إن الشجن الفلسطيني أخاذ في شعر محمود درويش، بل نحن لا نجد فلسطين التي طبعت تاريخنا الراهن المأساوي في شعر كما نجدها في شعره، إنها تنحل وتذوب في شعر درويش لتعدو حساسية وشفافية ورقة خالصة، ولتغدو أيضاً مغامرة الانكسارات الثمينة التي يلمها محمود درويش ليقيم منها أيقونة، وإذا كان شعر محمود درويش قد فارق نسبياً الموضوع الفلسطيني فلأن فلسطين المكتوبة مرة بعد مرة في شعره لم تعد عنواناً بل غدت إشارات مفرقة مبعثرة، لقد انكسر الإطار وخرجت الإشارات والتفاصيل.. لقد وسع الحيز الشعري بل أوجد في محاولته رهانات أخرى للغة وللفكرة.. لنقل إن الموضوع الفلسطيني في شعر درويش كان ذريعة لعالم كامل لنقده ضد كثيرين, إن محمود درويش لذلك أول شاعر سياسي في ثقافتنا الحديثة".
الوجه الآخر
في عام 1977 وصلت شهرته إلى أوجها حيث وزع من كتبه أكثر من مليون نسخة في الوقت الذي كان لقصائده مساحة قوية من التأثير بين الأوساط المختلفة وصلت إلى الكنيست الإسرائيلي ، وقد اختاره ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني مستشاراً له فيما بعد ولفترة طويلة ثم عرض عليه منصب وزير الثقافة ولكنه اعتذر معللا هذا الرفض بأن أمله الوحيد هو العودة إلى الوطن ثم التفرغ لكتابة الشعر.
ومع كل هذا التقدير والتبجيل الذي ناله درويش كان له وجه آخر لدى فئات أخرى أخذت عليه بعض الانتقادات الأدبية والسياسية والفكرية والدينية، فعلى المستوى الأدبي أخذت عليه بعض المآخذ النقدية خاصة في مراحل تطوره مثل الغموض والانفصال عن عامة القراء والمثقفين والاتجاه اتجاهاً نخبوياً في الكتابة. "خاصة في الفترة التي ذهب فيها إلى لبنان وتأثر ب "مجلة شعر" وكتابها وفي المراحل الأخيرة أيضا من كتاباته.
وعلى المستوى السياسي والديني كان لبعض الطوائف موقف منه، خاصة داخل فلسطين نفسها، ومن ذلك نشطاء حماس، وكأنه عدو لدود حتى قال أحدهم ع: "هناك فرق بين نعي الكافر والترحم عليه، فإذا كان المقصود من النعي هو بيان أن فلانا مات، أو بيان من بعض محاسنه وفقط، من دون طلب الرحمة أو الجنة له، فهذا جائز ولا حرج، أما إذا كان القصد منه الترحم عليه فلا يجوز، لو كان بطل المقاومة وبطل فلسطين".
ربما كان هذا موقفاً دينياً أو سياسياً لا أدبياً منه، وربما كان له خيوطه ولم يتخذ من فراغ، وهي خيوط يمكن معرفتها من سيرة حياته التي قد تكشف عما لا يعرفه كثيرون ، فقد انضم محمود درويش إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي في إسرائيل، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي أصبح فيما بعد مشرفاً على تحريرها، وكلتاهما تابعتان للحزب الشيوعي.. كما أن درويش هو الذي دون صك التنازل الفلسطيني بالوثيقة المسماة: إعلان الاستقلال عام 1988.
وكان درويش أول من دعا للحوار مع الأدباء الإسرائيليين، وهو الذي قال: "أنا أعتبر التوراة من تراثي".
وقد سلمه السفير الإسرائيلي في باريس خطاب شكر على أحد مواقفه.. بالإضافة إلى أن وزير التربية الإسرائيلي اختار من شعره ما يتوافق مع المناهج الإسرائيلية.
وقبل وفاته بعام واحد دخل درويش حيفا بتصريح إسرائيلي، وكان من المقرر أن تستضيف قاعة ال"أوديتوريوم" في حيفا الشاعر "منتصف يوليو 2007" في أمسية خاصة وتاريخية كونها الأولى بعد غياب 53 عاماً في المدينة التي عاش فيها الشاعر، واحتضنت ولادته الأدبية، وتبلور فيها وعيه السياسي، حيث عاش فيها عقداً كاملاً قبل خروجه النهائي أول السبعينيات، وقد أثار هذا الخبر - آنئذاك - جدلاً واسعاً بين الفلسطينيين، حيث اعتبرها البعض تاريخية لأنها الأولى من نوعها منذ 53 عاماً، بينما نظم آخرون حملة مناهضة لها ، لأنها تأتي بإذن عسكري من "جيش الاحتلال"، ورفض عدد كبير من الأدباء والأكاديميين من عرب 48 مشاركة درويش في الأمسية الشعرية، وعمم المعارضون للزيارة إعلاناً ضد الشاعر درويش، وتبنى شعار "سجل أنا عربي، وسعر بطاقتي خمسون شيكل" في إشارة إلى ثمن بطاقة الدخول بالعملة الإسرائيلية.. وبالطبع هو شعار مضاد لشعاره الذي يعبر عن ولائه القديم في نظرهم: "سجل/ أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف/ وأولادي ثمانية/ وتاسعهم.. سيأتي بعد صيف"، كما تم تعميم بيان حملة انتقادات للأمسية، جاء فيه أن المشكلة في التوقيت، وفي شكل الدعوة، حيث سيدخل درويش إلى مناطق ال48 بإذن عسكري من جيش الاحتلال فيما "آلاف العائلات الفلسطينية الممزقة بين أشلاء الوطن غير قادرة على لم شملها منذ سنوات".
وبعيداً عن هذه المواقف السياسية والدينية من محمود درويش داخل فلسطين وخارجها نجد رأيا نقدياً في شعره ل د. أبوهمام عبد اللطيف عبد الحليم الذي يتخذ موقفاً معروفا من شعر التفعيلة ومن الحداثة وذلك من خلال قوله: "يعجبني شعره الموزون المقفي فقط وقد أخذ اهتماماً مبالغاً فيه بسبب القضية الفلسطينية لكن شعره الموزون المقفى جيد والباقي سمه ما شئت".
مواقف وأسرار
يقول مقربون عن حياة درويش: عشق درويش عشرات المرات، وربطته علاقة عاطفية حميمة مع مجندة إسرائيلية، كتب عنها قصيدته " بين ريتا وعيوني بندقية" .. أما عن زواجه فقد تزوج درويش مرتين: الأولى من رنا قباني ابنة شقيقة الشاعر نزار قباني، واستمر زواجهما ثلاثة أعوام، بعدها تزوج من مثقفة مصرية اسمها "حياة" وبعد سنوات انفصلا بمودة وإحسان وبعدها عاش وحيداً حتى مات.
ومن الطريف قوله عن شعره ذات مرة "لو أتيح لي أن أحذف لكنت ربما حذفت أكثر من نصف أعمالي"، وهذا يدل على رغبته في التجويد الشعري المستمر والطموح الجمالي.
تبقى لمحمود درويش قيمته الفنية والإنسانية الخالصة سواء رأيناه من الوجه الأول أم من الوجه الثاني كما يرى كل قارئ وفقاً لوجهتي النظر السابقتين اللتين عرضناهما على القارئ في حياد دون فرض أو حجر خاصة أن درويش قد أصبح تراثاً، والتراث تختلف المواقف حوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.