نائب محافظ الجيزة يتابع مراحل تشغيل محطات رفع الصرف بأبو النمرس وحى جنوب    أحمد موسى من منجم السكري: التعدين مستقبل مصر.. وثرواتها كنز للأجيال القادمة    وزير الخارجية يلتقي رئيس مفوضية الإيكواس لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    وزارة العدل الأمريكية: لم ننقح أي ملفات لحماية ترامب عند إصدار وثائق إبستين    تغريم أليجري 10 آلاف يورو بعد سبّ مدير نابولي    ساكا يقود هجوم أرسنال أمام إيفرتون في الدوري الإنجليزي    تشكيل أرسنال – جيوكيريس يقود الهجوم أمام أيفرتون    مصر الاستثناء التاريخي.. من كسر لعنة الدفاع عن لقب أمم أفريقيا؟    بيطري دمياط يحبط مخططات تجار الصحة ويُنفذ حملة موسعة على المطاعم والمجازر    تلاوة تُلامس القلوب بصوت أحمد نعينع في «دولة التلاوة» (فيديو)    انطلاق الحلقة 12 من برنامج دولة التلاوة بمشاركة كبار القراء.. بث مباشر    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    6 أعراض مبكرة للإصابة ب الذئبة الحمراء    المستشفيات التعليمية تحتفل بمرور 100 عام على إنشاء معهد الرمد التذكاري    منتخب مصر    الإدارية العليا تواصل استقبال الطعون على نتائج انتخابات مجلس النواب 2025    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    ايمي سمير غانم تعلق على فكرة زواج حسن الرداد للمرة الثانية    د. محمد العبد: مجمع اللغة العربية منارة ثقافية يواكب احتياجات التحول الرقمي| خاص    موعد شهر رمضان 2026 «فلكيا»    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سرقة أسلاك وأدوات صحية من فيلا تحت التشطيب بالتجمع    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    خبير: إعادة التموضع الروسي في أفريقيا تعكس رؤية استراتيجية وتنموية    الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعية    بدون إصابات.. إنقلاب جرار طوب أبيض أعلى كوبري طما بسوهاج    وزيرتا التخطيط التنمية المحلية ومحافظ الأقصر يتفقدون تطوير كورنيش ومناطق إسنا التاريخية والسياحية    وزير الخارجية يلتقى مفوضة الاتحاد الأفريقى للتنمية الاقتصادية والتجارة    تشكيل الزمالك - كايد في الوسط وعمرو ناصر يقود الهجوم ضد حرس الحدود    تشكيل الاتحاد السكندري لمباراة سموحة في كأس عاصمة مصر    الدكتور أمجد الحداد: المضادات الحيوية ممنوعة تماما فى علاج نزلات الإنفلونزا    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    التنمية الشبابية بالجزيرة يعرض كأس ألأمم الأفريقية علي شاشة عرض عملاقة بالمسرح الروماني    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    الضفة.. جيش الاحتلال يغلق مداخل مدينة أريحا    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    صحيفة أمريكية تكشف تفاصيل جديدة عن العبء المالي على أوروبا في دعم أوكرانيا    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    انهيار مبنيين متضررين من قصف للاحتلال الإسرائيلي على غزة    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الدفاع الروسية: تحرير بلدتي فيسوكويه في مقاطعة سومي وسفيتلويه بدونيتسك    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    «المنشاوي» يستقبل أسامة الأزهري وزير الأوقاف بجامعة أسيوط    بعد قليل، محاكمة عصام صاصا بتهمة التشاجر داخل ملهى ليلي في المعادي    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ريلكه وزمن العزلة
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 06 - 2021

وُلِد الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه ( 1875_ 1926) في مدينة براغ ، وتُوُفِّيَ في فالمون بالقُرب من مونترو في سويسرا . يُعَدُّ أحد أهم شعراء اللغة الألمانية في القرن العشرين . ومعَ أنه يَحمل الجنسية النمساوية ، لَم يشعر بالانتماء إلى موطن مُحدَّد ، بل إلى أوروبا والعالَم .
كان والده ضابطًا في الجيش النمساوي، وكذلك عَمُّه الذي منحه القيصر لقب فارس ، فصارَ مع ذُريته من النبلاء . أمَّا والده فقد اضْطُر _ بسبب المرض _ إلى التخلي عن المستقبل الواعد ، والقَبول بوظيفة عادية في دائرة السِّكك الحديدية ، مِمَّا أدى إلى فشل حياته الزوجية . وقد كانت والدة ريلكه من عائلة شديدة الثراء ، ومُقرَّبة من البلاط القَيصري .
نزولًا عند رغبة عائلته، دخل ريلكه معهد التربية العسكرية ، وتعلَّمَ فيه خلال الفترة( 1886_ 1891) ، ثم انتقل لمدة سنتين إلى المعهد التجاري ، وبدأ إثر ذلك بتلقِّي دروس خصوصية ، تحضيرًا للشهادة الثانوية التي درس بعدها _ بناءً على رغبته _ تاريخَ الفن والأدب والقانون في براغ ثم ميونخ ثم برلين ، حيث تعرَّف على عدد كبير من الأدباء والفنانين .
تُعتبَر حياة الشاعر ريلكه وأعماله مثالًا جَلِيًّا على إقصاء الفنان ، في حقبة اتَّسمت بتوالي الأزمات الاقتصادية ، والنمو الرأسمالي ، والتوسع الاستعماري . وبالتالي ، فإن أعماله الشعرية والنثرية ورسائله ، جاءت تعبيرًا عن إحساسه الحياتي العميق بالاغتراب ، وانكفاءِ الفكر والحياة الروحية ، وانعزالها عن العالَم الخارجي . مِمَّا وَلَّدَ حالة من الحساسية المُفرطة التي أنتجت بدورها انطوائية صعبة . وجاءَ هذا التعبير في لغة يتغلغل جمالها في نفس القارئ ، مع إتقان فني تجديدي رفيع المستوى ، جعل أعماله خالدة مِثل نتاج كبار الشعراء عبر التاريخ .
إن ريلكه _ الذي جعل مِن وجوده مادةً شعرية _ لَم يُتابِع تقاليد الحركة الرومانسية الإبداعية فَحَسْب ، بل وضع نَفْسَه عن وعي وقصد في حالة تَعَارُض مع سُوق النشر والابتذال البرجوازي ، وفي مواجهة مَكْنَنة الحياة وتشييئها وتصحيرها ، وضد اغتصاب الموجودات واستغلالها بالأساليب الحديثة حينذاك . وكذلك ضد العدوانية ، وتبلُّد الإحساس ، والخواء الفكري .
كان يميل إلى تكريس عُزلة الذات، ورفض السُّلطات الاجتماعية ، وكان يهرب مِن مواجهتها نحو أعماق الذات الآمنة . وقد بدأ حياته الأدبية في ميدان الشعر مُتَأثِّرًا بِ " الأسلوب الشاب " الذي ساد أوروبا فَنِّيًّا أواخر القرن التاسع عشر ، وكانت قصائده تدل على حساسيته تجاه الإيقاعات الحِسِّية في اللغة . وفي ديوانه " كتاب الساعات "( 1905 ) ، يتناول الشاعر تجربته في روسيا وانطباعاته المبكرة عن باريس . ويُهيمن على قصائده الشعور بوَحدة الوجود الذي يربط الذات بالعالَم والإله ، كما تُعبِّر هذه القصائد في الوقت نَفْسه عن وعي ريلكه الحاد بالدمار القادم للعالَم، وسيادةِ الانعزالية والخواء. وقد تحققت مخاوفه الرُّؤيوية هذه باندلاع الحرب العالمية الأولى . ومع ذلك ، بَقِيَ لديه بصيص أمل بيقظة التآخي بين البشر .
أمَّا الكتاب الذي أوصل الشاعر إلى الشهرة في أوساط الجيل البرجوازي الشاب، فهو مجموعة القصائد النثرية " طريقة حب وموت كورنِت كريستوف ريلكه "( 1906 ) ، التي يسرد فيها _ استنادًا إلى جذر تاريخي يعود إلى مطلع القرن السابع عشر _ قصة الفارس الذي وجد الحب والموت مَعًا، في أثناء حملة ضد العثمانيين . وعبر القصائد النثرية الست والعشرين ، يظهر الحب والموت في مختلف تجلياتهما ، إلا أن موضوع الموت يبقى مُهَيْمِنًا. ويرى النُّقاد أن هذا العمل ينتمي إلى النثر الشعري أكثر منه إلى السرد الملحمي ، وذلك لغلبة التأملات الذاتية فيه ، والاشتغال المُكثَّف على اللغة . وقد زعم الشاعر في غير مناسبة ، أنه ينحدر من نسل ذلك الفارس . إن دِيوَانَي" قصائد جديدة " ( 1907) ، و " الجزء الثاني للقصائد الجديدة " ( 1908) يُوثِّقان مرحلة التحول الفني الجذري لدى ريلكه ، من الذات إلى الموضوع ، الذي سيصير محور اهتمام القصيدة بدلًا من الإنسان وإحساساته . وهنا ، تتراجع الذاتية الشعرية لصالح الرؤية الموضوعية الشَّيئية للواقع .
كتب ريلكه رواية وحيدة ، احتلت مكانةً بارزة في سياق تطور فن الرواية في القرن العشرين، وهي " يوميات مالتِه لاوريد بريغِّه "( 1910) ، التي تسرد بأسلوب المذكرات ، تجاربَ وتأملات شاعر دنماركي في الثامنة والعشرين مِن عُمره في باريس . وعبرها تتسرَّب تطورات ريلكه نَفْسه مُنذ نشأته في براغ إلى تجارب رحلاته إلى روسيا وإسكندنافيا،ولا سِيَّما علاقته بالمدينة الهائلة باريس ، بلحظاتها المفزعة والكريهة التي استنزفت الكثير من طاقته حتى تغلَّب عليها . ولا تخضع أحداث الرواية للتتابع الزمني المعهود ، بل إلى التداعي الحر والمتداخل للذكريات والمُشاهَدات .
والجديرُ بالذِّكر أن ريلكه يُسمَّى " الشاعر الذي قَتَلَتْهُ وردة " . ففي أحد صباحات تشرين الأول من العام 1926، خرج ريلكه إلى حديقة مَقَرِّه السويسري كَي يقطف _ كعادته _ بعض ورودها . لَم يكترث عندما جَرَحَتْ يَدَه إحدى الأشواك ، ولَم يَخَفْ حين ظَهرتْ لديه في المرحلة نَفْسها بوادر اللوكيميا ( سرطان الدم ) . استسلمَ بعد أقل من شهرين ، ووافته المَنِيَّة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.