يقدم د. صلاح هاشم في كتابه "العدالة والمجتمع المدني .. حالة مصر"، تفسيرًا لقضية العدالة الاجتماعية وارتباطها بتفعيل المجتمع المدني في مصر، من خلال التركيز على الجمعيات الأهلية كإحدى آليات المجتمع المدني، وذلك من أجل الوصول إلى مجموعة من المؤشرات والمداخل التي تسهم في تفعيل الأدوار التنموية للمجتمع المدني، في ظل المتغيرات العالمية الراهنة، وما تفرضه من تحديات تجعل الدولة تنسحب من كثير من التزاماتها في مجالات الرعاية الاجتماعية. استهل الكتاب بتمهيد أبرز فيه اعتماد وزارة الشئون الاجتماعية على الجمعيات الأهلية في تقديم الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها الأهالي وتعجز الدولة عن الاستفادة بها كاملة في أكثر من سبعة عشر مجالاً للخدمات، حددها القانون رقم 23 لسنة 1964 في التالي: رعاية الطفولة والأمومة، رعاية الأسرة، مساعدات اجتماعية، رعاية الشيخوخة، النشاط الإداري... إلخ. وباتت الجمعيات الأهلية مسئولة مسئولية كاملة عن تقديم الخدمات الاجتماعية لمن يحتاجها من المواطنين، ليس في ضوء معايير عشوائية يحددها أعضاؤها وفقًا لأهوائهم ومصالحهم الشخصية، وتحدياتهم العرقية أو الدينية، بل في ضوء معايير عامة تلتزم بها هذه الجمعيات أمام الحكومة وأمام المجتمع برمته، وبناء عليه تصبح الجمعيات الأهلية محل مساءلة عن نوع الخدمة التي تقدمها ووصولها لمستحقيها. دور الجمعيات ويعرض المؤلف دراسة عن دور الجمعيات الأهلية قائلًا: قد أسفرت دراسة "غريب محمد سيد 1996" عن وجود ضعف بنيوي عميق ينتابها بسبب نجاح الدولة في حصر دورها في إطار تخفيف حدة الفقر عبر الوظيفة الخيرية التي لها الغلبة في نشاط هذا الجمعيات، فما زالت الاتجاهات المشتركة بين الأهالي تشير إلى النظر إلى هذه الجمعيات على أنها جمعيات خيرية تقوم على فعل الإحسان والخير، وليس نظرة تنموية ترى في قيام الجمعيات بإشباع حاجات المستفيدين منها باعتبارها حقًّا من حقوقهم. يتطرق الكاتب أيضا إلى معنى العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال التعرض لمناقشة مبادئها وأنماطها وأسس تحقيقها في إطار المعطيات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري، فيذكر أن مبادئ العدالة تستند إلى مبدأين أساسيين: الأول: هو أن الإجراءات الاجتماعية يجب أن تضبط بقوانين يمكن بيانها. والثاني: ويركز هذا المبدأ على تصورين رئيسين للعدالة الاجتماعية، أحدهما يركز على مدلولي الاستحقاق والمكافأة، والآخر يركز على مدلولي الحاجة والمساواة، أما أنماط العدالة الاجتماعية فقد قدم الفلاسفة ورجال الاجتماع والمصلحون الاجتماعيون عدة تصنيفات للعدالة، منها: العدل الشكلي، وهو الذي يعد المبدأ الشكلي للمساواة، ويتضمن هذا المبدأ قواعد تحدد كيفية معاملة الناس في الحالات المختلفة على أن تكون تلك القواعد عامة، وتطبق بنزاهة. أما عن أسس وعوامل تحقيق العدالة الاجتماعية، فقد تعددت وتنوعت الوسائل والأساليب التي تستخدمها دول العالم من أجل تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية سواء بين أقاليم البلد الواحد، أو بين الريف والحضر، أو بين أحياء المدينة ذاتها، ومن تلك العوامل التي يمكن أن تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية: أن الليبراليين اعتبروا السوق الحرة أفضل آلية براجماتية لمكافأة الاستحقاق، وبناء على ذلك يجب أن تخصص موارد المجتمع وخدماته حسب حاجات الأفراد، وهذا القصور مرتبط بتصور المساواة، وبالفعل فإن تدابير عامة تتوصل إلى تلبية الحاجات وتجعل الأفراد أكثر تساويًا فيما بينهم على صعيد مادي يبدأ من مدلول الحاجة، مدلول يصعب جدًّا تحديده بدقة، ولهذا فقد نادى أنصار الفكر الاشتراكي بضرورة أن يتم توزيع الموارد والخدمات بناء على الحاجات التي تعرف بموجب المعايير السائدة في سياق الفكر والمكان المبحوثين، وتعتبر هذا التفسير للعدالة الاجتماعية هو أكثر التفسيرات انتشارًا. ويضيف د. صلاح هاشم: هناك خمسة مداخل أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية، نرى أنها تقترب كثيرًا من طبيعة المجتمع المصري وديانات أفراده وتقاليدهم الموروثة، نذكر منها: مدخل التخطيط الفعال، أنه مع التغيرات العالمية المعاصرة، واتساع دائرة النشاط الاقتصادي، وتطبيق سياسات الاقتصاد الحر الذي لا يعرف الحدود والحواجز بين الدول والمجتمعات، تطورت برامج للتكيف الهيكلي، وتم تطبيق سياسات الخصخصة، مما أدى إلى إضعاف قدرة الحكومات على توفير الاحتياجات الأساسية للسكان، وتفويض جهود مكافحة الفقر، وكل هذه الظروف أدت إلى تزايد أعداد الأسر والأفراد الذين يعيشون حالة الفقر، وعلى سبيل المثال كانت نتيجة لتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي التي شرعت مصر في تطبيقها منذ عام 1986 والتي كانت تستهدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي على المدى البعيد، فقد أدت إلى زيادة معدلات الفقر على المدى القريب سواء في الحضر أو الريف. وفي ختام الكتاب يقدم د. صلاح هاشم مجموعة من المؤشرات التخطيطية التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تفعيل دور المجتمع المدني في ظل سياسات الإصلاح الاجتماعي ، وهذه المؤشرات هي: ضرورة أن يكون لوزارة الشئون الاجتماعية دور فعال في عمليات التوزيع الجغرافي للجمعيات الأهلية، وضرورة العودة إلى الأخذ بفكرة وجود جهاز لتنسيق الخدمات الاجتماعية الأهلية على مستوى المناطق الجغرافية؛ حتى لا تتكرر الخدمات بتمركز الجمعيات الأهلية في مناطق دون غيرها.