يبدو الصقلاوي بصفته المعمارية في هذا الكتاب أكثر من كونه شاعرا، على الاقل في آرائه وفهمه للمكان وتداعياته على الذائقة البصرية. من السهل اكتشاف ثيمة الكتاب وما الذي فعله عبد الرزاق الربيعي في تجميع مادته، لقد حاور الربيعي الصقلاوي بحرفية الصحفي الأديب، وبعدها اكتشف ان الحوار يمتد الى أكثر من الاجابات السريعة، فجمع مادته مما كتبه الصقلاوي في الدراسات المعمارية وتخطيط المدن اضافة الى نظرته الادبية للواقع الثقافي والتاريخي والوشائج التي تجمع بين القصيدة والمعمار، فولد هذا الكتاب الذي يؤمل اصداره بداية العام الجديد 2010 عن منشورات مؤسسة الدوسري للثقافة والابداع في البحرين بعنوان "ابنية من فيروز الكلمات- طواف على أجنحة سعيد الصقلاوي". ويبدو ان الربيعي في اختياره ثيمة الاجنحة يود التحليق معه بمتراجحة أدبية بين معمار القصيدة ومعمار المكان، فهل وفق في ذلك؟ المتن جدير بالاجابة على امتداد 140 صفحة من القطع المتوسط. ثمة ميزة أخرى في هذا الكتاب هي تعريف القارئ بالحس المعماري لسعيد الصقلاوي، وهي أجدى من روحية الشاعر فيه، على اعتبار ان قصائده متاحة منذ نشرها، لكن ليس كل آرائه بصفته مهندس تخطيط مدن معروفة للقارئ، والقليل يعرف عنه اصداره "التحصينات العمانية: سيرة تاريخية ومعمارية" بخمسة مجلدات. والصقلاوي من مدينة صور التي تختصر التعريف بعلاقة الشاعر بالمكان فهي مدينة ساحلية تنتسب عمارتها الى فخامة البساطة، وجلال العفوية، وتتشح بثراء التلقائية، وتزدان بوقار الشخصية العمانية، وتمتاز باصالة التعبير عن الانسان والمكان، يتجلى في صياغة مفرداتها ارتباط الانسان بمدينته، ومجتمعه، وعاداته، وتقاليده، وثقافته، وهو مايشكله الاطار الفكري للمدينة. هكذا علمت "صور" المدينة الصقلاوي الشاعر، كيفية التعاون بين الداخل والخارج، وكيفية التحاور بين الشكل والمضمون، وكيفية التبصر في ظاهر المعنى وباطن دلالته. كما علمته المدينة كيفية التلامس بين روح المكان وروح الانسان، وكيفية القراءة البصرية لمنجز التشكيل الابداعي لعناصر المكان، وابجدية الحياة الانسانية. هذا الكتاب يترك لمسته التعريفية مثلما يحرّض على التعرف أكثر على عُمان المكان والانسان فيها وعلاقتهما المتماسكة، الوطن في عُمان ليس مفهوماً افتراضياً ولا مجتمعاً كارتونياً كما يبدو في الامكنة المجاورة لعُمان، انه أعمق بكثير من بحرها وأشد صلابة من صخور تلالها.